ولما كان التقدير: "فقالوا: إنا لا ندعي أنهم خلقوا شيئا من
[ ص: 73 ] السماوات؛ ولا من الأرض؛ ونحن مقرون بأنه لا يمسك السماوات والأرض إلا الله؛ وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى؛ كما كان يفعل آباؤنا؛ ولولا أن لهم على ذلك دليلا ما فعلوه"؛ عطف عليه قوله - مبينا ضلالهم في تكذيبهم الرسل بعد ما ظهر من ضلالهم في إشراكهم بالمرسل؛ وهو يمهلهم؛ ويرزقهم؛ دليلا على حلمه مع علمه -:
وأقسموا ؛ أي: كفار
مكة؛ بالله ؛ أي: الذي لا عظيم غيره؛
جهد أيمانهم ؛ أي: بغاية ما يقدرون عليه من الأيمان؛ قال
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي : لما بلغهم - يعني كفار
مكة - أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم؛ قالوا: لعن الله اليهود والنصارى؛ أتتهم رسلهم فكذبوهم؛ لو أتانا رسول لنكونن أهدى دينا منهم.
ولما أخبر عن قسمهم؛ حكى معنى ما أقسموا عليه؛ دون لفظه؛ بقوله:
لئن جاءهم ؛وعبر بالسبب الأعظم للرسالة؛ فقال:
نذير ؛ أي: من عند الله؛
ليكونن ؛ أي: الكفار؛
أهدى ؛ أي: أعظم في الهدى؛
من إحدى ؛ أي: واحدة من
الأمم ؛ أي: السالفة؛ أو من الأمة التي لم تكن في الأمم التي جاءتها النذر أهدى منها؛ قال
أبو حيان : كما قالوا: هو أحد الأحدين؛ وهي إحدى الأحد؛ يريدون التفضيل
[ ص: 74 ] في الدهاء؛ والعقل؛ لأنهم أحد أذهانا؛ وأقوم لسانا؛ وأعظم عقولا؛ وألزم لما يدعو إليه العقل؛ وأطلب لما يشهد بالفضل؛ وأكدوا بالقسم؛ لأن الناظر لتكذيب أهل العلم بالكتاب يكذبهم في دعوى التصديق؛ قياسا أخرويا؛ ودل على إسراعهم في الكذب بالفاء؛ فقال:
فلما جاءهم نذير ؛ أي: على ما شرطوا؛ وزيادة؛ وهو
محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كانوا يشهدون أنه خيرهم مع كونه خيرهم نفسا؛ وأشرفهم نسبا؛ وأكرمهم في كل خلق؛ أما وأبا؛ وأمتنهم في كل مأثرة سببا؛
ما زادهم ؛ أي: مجيئه شيئا مما هم عليه من الأحوال؛
إلا نفورا ؛ أي: لأنه كان سببا في زيادتهم في الكفر؛ كالإبل التي كانت نفرت من ربها؛ فضلت عن الطريق؛ فدعاها؛ فازدادت بسبب دعائه نفرة؛ فأعرقت في الضلال؛ فصارت بحيث يتعذر؛ أو يتعسر ردها؛ فتبين أنه لا عهد لهم؛ مع ادعائهم أنهم أوفى الناس؛ ولا صدق عندهم؛ مع جزمهم بأنهم أصدق الخلق؛