ولما كان الأنبياء - عليهم السلام - من نوره - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه أولهم خلقا؛ وآخرهم بعثا؛ فكانوا في الحقيقة إنما هم ممهدون لشرعه؛ وكان - سبحانه - إنما أرسله ليتمم مكارم الأخلاق؛ وكان قد جعل - سبحانه - من المكارم ألا يكلم الناس إلا بما تسع عقولهم؛ وكانت عدة المرسلين؛ كما في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي ؛ عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر - رضي الله عنهما - عند
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ؛ في المسند؛ ثلاثمائة وخمسة عشر؛ وفيه أن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا؛ وهو في
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني الكبير؛ عن
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة - رضي الله عنه -
[ ص: 91 ] أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر عدد الرسل فقط؛ وكانت عقول
العرب لا تسع بوجه؛ قبل الإيمان؛ أنهم منه؛ أقسم - سبحانه - ظاهرا أنه منهم؛ ورمزا للأصفياء باطنا إلى أنهم منه؛ بجعلهم عدد أسماء حروف اسمه
"محمد" - صلى الله عليه وسلم - الذي رمز إليه بالحرفين أول السورة؛ فكأنه قال: "إنك يا ياسين؛ الذي تأويله (محمد) ؛ الذي عدد أسماء حروفه بعددهم؛ لأصلهم"؛ فصار رمزا في رمز؛ وكنزا نفيسا داخل كنز؛ وسرا من سر؛ وبرا إلى بر؛ وهو أحلى في منادمة الأحباب من صريح الخطاب؛ ثم علق باسم المفعول قوله:
على صراط ؛ أي: طريق واسع؛ واضح؛
مستقيم ؛ أي: أنت من هؤلاء الذين قد ثبت لهم أنهم عليه؛ وهو الصراط المستقيم الأكمل؛ المتقدم في "الفاتحة"؛ لأنه لخواص المنعم عليهم؛ ولقوله (تعالى) - في حق
موسى وهارون - عليهما السلام -
وهديناهما الصراط المستقيم ؛ فيكون تنوينه - بما أرشد إليه القسم والتأكيد - للتعظيم؛ والمعنى أنهم قد ثبت لهم هذا الوصف العظيم؛ وأنت منهم؛ بما شاركتهم فيه من الأدلة؛ فليس لأحد أن يخصك من بينهم بالتكذيب.
وقال الإمام
أبو جعفر بن الزبير : لما أوضحت سورة "سبإ"؛ وسورة
[ ص: 92 ] "فاطر"؛ من عظيم ملكه (تعالى) ؛ وتوحده بذلك؛ وانفراده بذلك بالملك؛ والخلق؛ والاختراع؛ ما تنقطع العقول دون تصور أدناه؛ ولا تحيط من ذلك إلا بما شاء؛ وأشارت من البراهين والآيات إلى ما يرفع الشكوك؛ ويوضح السلوك؛ مما كانت الأفكار قد خمدت عن إدراكها؛ واستولت عليها الغفلة؛ فكأن قد جمدت عن معهود حراكها؛ ذكر - سبحانه - بنعمة التحريك؛ إلى اعتبارها بثنائه على من اختاره لبيان تلك الآيات؛ واصطفاه لإيضاح تلك البينات؛ فقال (تعالى):
يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم ؛ ثم قال:
لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون ؛ فأشار - سبحانه - إلى ما تثمر نعمة الإنذار؛ ويبعثه التيقظ بالتذكار; ثم ذكر علة من عمي بعد تحريكه؛ وإن كان مسببا عن الطبع؛ وشر السابقة؛
لقد حق القول على أكثرهم ؛ الآيات; ثم أشار بعد إلى أن بعض من عمي عن عظيم تلك البراهين لأول وهلة؛ قد يهتز عند تحريكه لسابق سعادته؛ فقال (تعالى):
[ ص: 93 ] إنا نحن نحيي الموتى ؛ فكذلك نفعل بهؤلاء إذا شئنا هدايتهم؛
أومن كان ميتا فأحييناه ؛ ثم ذكر دأب المعاندين؛ وسبيل المكذبين؛ مع بيان الأمر؛ فقال:
واضرب لهم مثلا أصحاب القرية ؛ الآيات؛ وأتبع ذلك - سبحانه - بما أودع في الوجود من الدلائل الواضحة؛ والبراهين؛ فقال:
ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون ؛ الآية؛ ثم قال:
وآية لهم الأرض الميتة أحييناها ؛ إلى قوله:
أفلا يشكرون ؛ ثم قال:
وآية لهم الليل نسلخ منه النهار وكل في فلك يسبحون ؛ ثم قال:
وآية لهم أنا حملنا ذريتهم ؛ إلى قوله:
إلى حين ؛ ثم ذكر إعراضهم مع عظيم هذه البراهين؛ وتكذيبهم؛ وسوء حالهم عند بعثتهم؛ وندمهم؛ وتوبيخهم؛ وشهادة أعضائهم بأعمالهم؛ ثم تناسجت الآي جارية على ما يلائم ما تقدم إلى آخر السورة؛ انتهى.