ولما كان كأنه قيل: ما هذا الذي أرسل به؟ كان كأنه قيل - جوابا لمن سأل: هو القرآن؛ الذي وقع الإقسام به؛ وهو
تنـزيل ؛ أو حال كونه تنزيل
العزيز ؛ أي: المتصف بجميع صفات الكمال؛ ولما كانت هذه الصفة للقهر؛ والغلبة؛ وكان ذلك لا يكون صفة كمال؛ إلا بالرحمة؛ قال:
الرحيم ؛ أي: الحاوي لجميع صفات الإكرام؛ الذي ينعم على من يشاء من عباده بعد الإنعام بإيجادهم؛ بما يقيمهم على
[ ص: 94 ] المنهاج الذي يرضاه لهم؛ فهو الواحد الذي لا مثل له أصلا؛ لما قهر به من عزته؛ وجبر به من رحمته.
نزله إليك وهو في جلالة النظم؛ وجزالة القول؛ وحلاوة السبك؛ وقوة التركيب؛ ورصانة الوضع؛ وحكيم المعاني وإحكام المباني في أعلى ذرى الإعجاز؛ وجعل إنزاله تدريجا بحسب المصالح؛ مطابقا مطابقة أعجزت الخلائق عن أن يأتوا بمثلها؛ ثم نظمه على غير ترتيب النزول نظما أعجز الخلق عن أن يدركوا جميع المراد من بحور معانيه؛ وحكيم مبانيه؛ فكله إعجاز على ما له من إطناب وإيجاز.