ولما كانت الرحمة بالرزق؛ والنصر؛ إنما تنال بالرحمة للضعفاء:
nindex.php?page=hadith&LINKID=38898 "هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم"؛ nindex.php?page=hadith&LINKID=651204 "إنما يرحم الله من عباده الرحماء"؛ [ ص: 137 ] وكان الإنفاق خلق المؤمنين؛ قال - مبينا أنهم انسلخوا عن الإنسانية جملة؛ فلا يخافون ما يجوز وقوعه من العذاب؛ ولا يرجون ما يجوز حلوله من الثواب -:
وإذا قيل لهم ؛ أي: من أي قائل كان؛
أنفقوا ؛ أي: على من لا شيء له؛ شكرا لله على ما أنجاكم منه؛ ونفعكم به؛ بنفع خلقه الذين هم عياله؛ وبين أنهم يبخلون بما لا صنع لهم فيه؛ ولم تعمله أيديهم؛ بل ببعضه؛ فقال:
مما رزقكم ؛ وأظهر؛ ولم يضمر؛ إشارة إلى جلالة الرزق؛ بجلالة معطيه؛ وزاد في تقريعهم بجعل ذلك الظاهر اسم الذات؛ لأنه لا ينبغي أن يكون عطاء العبد على قدر سيده؛ فقال:
الله ؛ أي: الذي له جميع صفات الكمال؛
قال ؛ وأظهر؛ تبكيتا لهم بالوصف الحامل لهم على البخل؛ فقال:
الذين كفروا ؛ أي: ستروا وغطوا ما دلتهم عليه أنوار عقولهم من الخيرات؛
للذين آمنوا ؛ أي: القائلين بذلك؛ المعتقدين له؛ سواء كانوا هم القائلين لهم؛ أو غيرهم؛ منكرين عليهم؛ استهزاء بهم؛ عادلين عما اقتضى السؤال عن ذكر الإنفاق؛ إلى ما يفيد التقريع بالفقر والحاجة إلى الأكل؛
أنطعم ؛ وعدلوا عن التعبير بالماضي؛ لئلا يقال لهم: قد تولى - سبحانه - إطعامه من حين خلقه إلى الآن؛ فقالوا:
من لو يشاء ؛ وأظهروا حدا له؛ ومساعيه؛ فقالوا:
[ ص: 138 ] الله ؛ أي: الذي له جميع العظمة؛ كما زعمتم؛ في كل وقت يريده؛
أطعمه ؛ أي: لكنا ننظره لا يشاء ذلك؛ فإنه لم يطعمهم؛ لما نرى من فقرهم؛ فنحن أيضا لا نشاء ذلك؛ موافقة لمراد الله فيه؛ فتركوا التأدب مع الآمر؛ وأظهروا التأدب مع بعض الإرادة المنهي عن الجري معها؛ والاستسلام لها؛ وما كفاهم حتى قالوا - لمن أرشدهم إلى الخير؛ على طريق النتيجة لما تقدم -:
إن ؛ أي: ما؛
أنتم إلا في ضلال ؛ أي: محيط بكم؛
مبين ؛ أي: في غاية الظهور؛ وما دروا أن الضلال إنما هو لهم؛ لأنه - سبحانه - إنما جعل إطعام بعض خلقه بلا واسطة؛ وبعضهم بواسطة؛ امتحانا منه للمطيع؛ والعاصي؛ والشاكر؛ والكافر؛ والجزع؛ والصابر؛ وغير ذلك من حكمه.