ولما كان كأنه قيل: هل يحكم فيهم بعلمه؛ أو يجري الأمر على قاعدة الدنيا في العمل بالبينة؛ بين أنه على أظهر من قواعد الدنيا؛ فقال - مهولا لليوم؛ على النسق الماضي في مظهر العظمة؛ لأنه أليق بالتهويل -:
اليوم نختم ؛ أي: بما لنا من عجيب القدرة؛ المتشعبة من العظمة؛ ولفت القول إلى الغيبة؛ إيذانا بالإعراض؛ لتناهي الغضب؛ فقال:
على أفواههم ؛ أي: لاجترائهم على الكذب في الأخرى؛ كما كان ديدنهم في الدنيا؛ وكان الروغان والكذب والفساد إنما يكون باللسان؛ المعرب عن القلب؛ وأما بقية الجوارح؛ فمهما خرق العادة بإقدارها على الكلام؛ لم تنطق إلا بالحق؛ فلذلك قال:
وتكلمنا أيديهم ؛ أي: بما عملوا؛ إقرارا هو أعظم شهادة؛
وتشهد أرجلهم [ ص: 157 ] أي: عليهم؛ بكلام بين؛ هو مع كونه شهادة إقرار؛
بما كانوا ؛ أي: في الدنيا؛ بجبلاتهم؛
يكسبون ؛ فالآية من الاحتباك: أثبت الكلام للأيدي أولا؛ لأنها كانت مباشرة؛ دليلا على حذفه من حيز الأرجل ثانيا؛ وأثبت الشهادة للأرجل ثانيا؛ لأنها كانت حاضرة؛ دليلا على حذفها من حيز الأيدي أولا؛ وبقرينة أن قول المباشر إقرار؛ وقول الحاضر شهادة؛ روى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه؛ عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - رضي الله عنه - قال: "يقول العبد: يا رب؛ ألم تجرني من الظلم؟ قال: فيقول: (بلى) ؛ فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني؛ فيقول: (كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا؛ وبالكرام الكاتبين شهودا) ؛ فيختم على فيه؛ ويقال لأركانه: انطقي؛ فتنطق بأعماله؛ ثم يخلى بينه وبين الكلام؛ فيقول: بعدا لكن؛ وسحقا؛ فعنكن كنت أناضل"؛ والظاهر أن السر في الختم على فيه منعه من أن يلغط حال شهادتها عليه؛ لئلا يسمع قولها؛ كما هو دأب أهل العناد عند الخصام.