ولما أثبت - سبحانه - بهذا الدليل قدرته على ما هدد به أولا؛ من التحويل من حال إلى أخرى؛ فثبتت بذلك قدرته على البعث؛
[ ص: 177 ] وختم بإحاطة العلم الملزوم لتمام القدرة؛ أتبع ذلك دليلا أبين من الأول؛ فقال - عاطفا على "ألم يروا" -:
أولم ير ؛ أي: يعلم؛ علما هو في ظهوره كالمحسوس بالبصر.
ولما كان هذا المثل الذي قاله هذا الكافر لا يرضاه حمار؛ لو نطق؛ أشار إلى غباوته بالتعبير بـ "الإنسان"؛ الذي هو - وإن كان أفطن المخلوقات لما ركب فيه - سبحانه - من العقل - تغلب عليه الأنس بنفسه؛ حتى يصير مثلا؛ فقال:
الإنسان ؛ أي: جنسه؛ منهم؛ ومن غيرهم؛ وإن كان الذي نزلت فيه واحدا؛
أنا خلقناه ؛ بما لنا من العظمة؛
من نطفة ؛ أي: شيء يسير؛ حقير؛ من ماء لا انتفاع به؛ بعد إبداعنا أباه من تراب؛ وأمه من لحم؛ وعظام؛
فإذا هو ؛ أي: فتسبب عن خلقنا له من ذلك المفاجأة لحالة هي أبعد شيء من حالة النطفة؛ وهي أنه
خصيم ؛ أي: بالغ الخصومة؛
مبين ؛ أي: في غاية البيان عما يريده؛ حتى إنه ليجادل من أعطاه العقل والقدرة في قدرته؛ أنشد الأستاذ
أبو القاسم القشيري في ذلك:
أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني