ولما كان مآل هذا المثل الذي علق الإنكار فيه بالرميم؛ استبعاد تمييز الشيء إذا صار ترابا؛ واختلط بالتراب؛ عن غيره من التراب؛ وصف نفسه المقدس بإخراج الشيء الذي هو أخفى ما يكون من ضده؛ وذلك بتمييز النار من الخشب الذي فيه الماء ظاهر؛ بأيدي العجزة من خلقه؛ فقال - معيدا للموصول؛ تنبيها على التذكير بالموصوف؛ ليستحضر ما له من صفات الكمال؛ فيبادر إلى الخضوع له من كان حيا -:
الذي جعل لكم ؛ أي: متاعا؛ واستبصارا؛
من الشجر الأخضر ؛ الذي تشاهدون فيه الماء؛
نارا ؛ بأن يأخذ أحدكم غصنين؛ كالسواكين؛ وهما أخضران؛ يقطر منهما الماء؛ فيسحق المرخ - وهو ذكر - على العفار - وهو أنثى - فتخرج النار؛ قال
أبو حيان : وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ليس شجر إلا وفيه نار؛ إلا العناب"؛ انتهى.
ولذلك قالوا في المثل المشهور: "في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار"؛
فإذا أنتم ؛ أي: فيتسبب عن ذلك مفاجأتكم؛ لأنكم
منه ؛ أي: الشجر الموصوف بالخضرة
[ ص: 182 ] بعينه؛
توقدون ؛ أي: توجدون الإيقاد؛ ويتجدد لكم ذلك مرة بعد أخرى؛ ما هو بخيال؛ ولا سحر؛ بل حقيقة ثابتة بينة؛ وكأنه قدم الجار لكثرة إيقادهم منه؛ فعد إيقادهم من غيره لذلك؛ ولعظمته؛ عدما.