ولما كان ذلك؛ تسبب عنه المبادرة إلى تنزيهه (تعالى) عما ضربوه له من الأمثال؛ فلذلك قال:
فسبحان ؛ أي: تنزه عن كل شائبة نقص؛ تنزها لا تبلغ أفهامكم كنهه؛ وعدل عن الضمير إلى وصف يدل على غاية العظمة؛ فقال:
الذي بيده ؛ أي: بقدرته؛ وتصرفه خاصة؛ لا بيد غيره؛
ملكوت كل شيء ؛ أي: ملكه التام؛ وملكه؛ ظاهرا؛ وباطنا.
[ ص: 185 ] ولما كان التقدير: "فمنه تبدؤون"؛ عطف عليه قوله:
وإليه ؛ أي: لا إلى غيره؛ من التراب أو غيره؛ ولفت القول إلى خطابهم استصغارا لهم؛ واحتقارا؛ فقال:
ترجعون ؛ أي: معنى؛ في جميع أموركم؛ وحسا؛ بالبعث؛ لينصف بينكم؛ فيدخل بعضا النار؛ وبعضا الجنة؛ ونبهت قراءة الجماعة بالبناء للمفعول على غاية صغارهم؛ بكون الرجوع قهرا؛ وبأسهل أمر؛ وزادت قراءة
يعقوب بالبناء للفاعل بأن انقيادهم في الرجوع؛ من شدة سهولته عليه؛ كأنه ناشئ عن فعلهم بأنفسهم اختيارا منهم؛ فثبت أنه - سبحانه - على كل شيء قدير؛ فثبت قطعا أنه حكيم؛ فثبت قطعا أنه لا إله إلا هو؛ وأن كلامه حكيم؛ وثبت بتمام قدرته أنه حليم؛ لا يعجل على أحد بالعقاب؛ فثبت أنه أرسل الرسل للبشارة بثوابه؛ والنذارة من عقابه؛ فثبت أنه أرسل هذا النبي الكريم؛ لما أيده به من المعجزات؛ وأظهره على يده من الأدلة الباهرات؛ فرجع آخر السورة بكل من الرسالة؛ وإحياء الموتى؛ إلى أولها؛ واتصل في كلا الأمرين مفصلها بموصلها؛ والله الهادي إلى الصواب؛ وإليه المرجع والمآب.