ولما كانت المشارق تقتضي الفيض؛ والإظهار؛ أتبع ذلك نتيجته؛ بما من شأنه الشروق؛ والغروب؛ ولو بمجرد الخفاء؛ والظهور؛ فقال - مؤكدا؛ مع لفت الكلام إلى التكلم في مظهر العظمة؛ تنبيها على أن فعلهم فعل من ينكر ما للنجوم من الزينة؛ وما تدل عليه من عظمته - سبحانه وتعالى -؛ وفخم التعبير عن الزينة بتضعيف الفعل لمثل ذلك -:
إنا زينا ؛ أي: بعظمتنا التي لا تدانى؛
السماء ؛ ولما كانوا لا يرون إلا ما يليهم من السماوات؛ وكانت زينة النجوم ظاهرة فيها؛ قال:
الدنيا ؛ أي: التي هي أدنى السماوات إليكم.
[ ص: 194 ] ولما أشير إلى أن الصف زينة في الباطن؛ باتحاد القصد؛ كما أنه زينة في الظاهر بحسن الشكل؛ وبديع الرصف؛ زيد في التنبيه على ذلك بإعادة ما فهم من "زينا"؛ في قوله:
بزينة الكواكب ؛ أي: بالزينة التي للنجوم النيرة البراقة المتوقدة الثابتة في محالها - قارة أو مارة - المرصعة في السماء ترصيع المسامير الزاهرة؛ كزهر النور المبثوث في خضرة الرياض الناضرة؛ فهي مع عدم التنوين والخفض إضافة بيانية؛ كـ "ثوب خز"؛ ومن نون "الزينة"؛ فإن خفض "الكواكب"؛ فعلى البدل؛ أي: بالكواكب التي هي زينة؛ وإن نصب؛ فعلى المدح؛ بتقدير "أعني"؛ أو على أنه بدل اشتمال من "السماء"؛ أي: كواكبها؛ إما بكونها فيما دونها من الجو؛ فبظن أنها فيها؛ أو بكونها فيها من جانبها الذي يلينا؛ أو بكونها تشف عنها؛ وإن كان بعضها فيما هو أعلى منها؛ وزينتها انتظامها؛ وارتسامها على هذا النظم البديع في أشكال متنوعة؛ وصور مستبدعة؛ ما بين صغار وكبار؛ منها ثوابت؛ ومنها سيارة؛ وشوارق؛
[ ص: 195 ] وغوارب؛ إلى غير ذلك من الهيئات التي لا تحصى؛ ولا حد لها عند العباد العجزة فيستقصى.