ولما كان دعواهم لأنوثة الملائكة متضمنة لادعاء العلم باختصاصه عند دعوى الولدية بأدنى القبيلين؛ أو ادعاء العلم بأنه خلقهم إناثا بمشاهدة
[ ص: 304 ] منهم؛ أو كتاب منه إليهم؛ وأما العقل فإنه لا مدخل له في ذلك؛ قال - معلما بأنهم أهل لأن يبكتوا؛ ويستهزأ بهم؛ لأنه لا علم عندهم بإحدى الطريقين؛ ولا يقدرون أن يدعوا ذلك؛ لئلا يفتضحوا فضيحة لا تنجبر أصلا؛ عائدا إلى التصريح بمظهر العظمة؛ إشارة إلى أن من شأنها كثافة الحجاب -:
أم خلقنا ؛ أي: على ما لنا من العظمة التي إن لم يقتض اختيار الأكمل؛ لم يقتض الاختصاص بالأدون؛ لأنها منافية بكل اعتبار للدناءة؛
الملائكة ؛ أي: الذين حكموا عليهم بالأنوثة؛ وهم من أعظم رسلنا؛ وأجل خواصنا؛ ولم يروا منهم أحدا؛ ولا سبيل لهم إلى العلم بأحوالهم؛ باعترافهم بذلك؛ ولما تعين أن المراد بالأنوثة الخساسة؛ وكان في بعض الإناث قوة الذكور؛ عبر بالأنوثة؛ إلزاما لهم في حكمهم ذلك بخساستين؛ فقال:
إناثا وهم ؛ أي: والحال أن هؤلاء الذين ينسبون إلى الله ما لا يليق به؛
شاهدون ؛ أي: ثابت لهم شهود ذلك؛ لا يغيبون عنه؛ فإنا كل يوم نجدد منهم من شئنا؛ قال
الرازي :
وكل واحد من الملائكة نوع برأسه؛ أما الآدميون فكلهم نوع واحد؛ وهو ناقص في ابتداء الفطرة؛ مستكمل؛ وله درجات في الترقي؛ إلى أن يبلغ مقام المشاهدة؛ وهو أن تتجلى له حلية الحق الأول من ذاته؛ وصفاته؛ وترتيب أفعاله؛ علما لا ينفصل عنه؛ ولا يغيب فيترقى في إدراكه عن المحسوسات؛ والخيالات؛ ويترقى فعله عن أن
[ ص: 305 ] يكون لمقتضى الغضب أو الشهوة؛ وبهذا يقرب من الله (تعالى) ؛ انتهى.