ولما كان السياق للتدريب على الصبر؛ والتثبيت الشافي؛ والتدبر التام؛ والابتلاء لأهل القرب؛ وكان المظنون بمن أوتي فصل الخطاب
[ ص: 356 ] ألا يقع له لبس في حكم؛ ولا عجلة في أمر؛ وكان التقدير: "هل أتتك هذه الأنباء؟"؛ عطف عليه - مبينا عواقب العجلة؛ معلما أن على من أعطي المعارف ألا يزال ناظرا إلى من أعطاه ذلك؛ سائلا له التفهيم؛ استعجازا لنفسه؛ متصورا لمقام العبودية؛ التي كرر التنبيه عليها في هذه السورة بنحو قوله: "نعم العبد" - قوله - في سياق ظاهره الاستفهام؛ وباطنه التنبيه على ما في ذلك من الغرابة والعجب؛ لتعظم الرغبة في سماعه؛ فيوعى حق الوعي -:
وهل أتاك نبأ الخصم ؛ أي: خبره العظيم جدا؛ وأفرده وإن كان المراد الجمع؛ دلالة على أنهم على كلمة واحدة في إظهار الخصومة؛ لا يظهر لأحد منهم أنه متوسط مثلا؛ ونحو ذلك.
ولما كان الخصم مصدرا يقع على الواحد فما فوقه؛ ذكرا كان؛ أو أنثى؛ وكان يصح تسمية ربقة المتخاصمين خصما؛ لأنهم في صورة الخصم؛ قال:
إذ ؛ أي: خبر تخاصمهم حين
تسوروا ؛ أي: صعدوا السور؛ ونزلوا منه هم ومن معهم؛ أخذا من "السور"؛ وهو الوثوب؛
المحراب ؛ أي: أشرف ما في موضع العبادة؛ الذي كان
داود - عليه السلام - به؛ وهو كناية عن أنهم جاؤوه في يوم العبادة؛ ومن غير الباب؛ فخالفوا عادة الناس في الأمرين؛ وكأن المحراب الذي تسوروه كان فيه باب من داخل باب آخر؛