فنبه على ذلك بأن أبدل
[ ص: 357 ] من "إذ"؛ الأولى؛ قوله:
إذ ؛ أي: حين
دخلوا ؛ وصرح باسمه؛ رفعا للبس؛ وإشعارا بما له من قرب المنزلة؛ وعظيم الود؛ فقال:
على داود ؛ ابتلاء منا له؛ مع ما له من ضخامة الملك؛ وعظم القرب منا؛ وبين أن ذلك كان على وجه يهول أمره؛ إما لكونه في موضع لا يقدر عليه أحد؛ أو غير ذلك؛ بقوله:
ففزع ؛ أي: ذعر؛ وفرق؛ وخاف
منهم ؛ أي: مع ما هو فيه من ضخامة الملك؛ وشجاعة القلب؛ وعلم الحكمة؛ وعز السلطان.
ولما كان كأنه قيل: فما قالوا له؟ قال:
قالوا لا تخف ؛ ولما كان ذلك موجبا لذهاب الفكر في شأنهم كل مذهب؛ عينوا أمرهم بقولهم:
خصمان ؛ أي: نحن فريقان في خصومة؛ ثم بينوا ذلك بقولهم:
بغى بعضنا ؛ أي: طلب طلبة علو واستطالة؛
على بعض ؛ فأبهم أولا؛ ليفصل ثانيا؛ فيكون أوقع في النفس؛ ولما تسبب عن هذا سؤاله في الحكم؛ قالوا:
فاحكم بيننا بالحق ؛ أي: الأمر الثابت؛ الذي يطابقه الواقع؛ وإنما سألاه ذلك مع العلم بأنه لا يحكم إلا بالعدل؛ ليكون أجدر بالمعاتبة عند أدنى هفوة؛
ولا تشطط ؛ أي: لا توقع البعد؛ ومجاوزة الحد؛ لا في العبارة عن ذلك؛ بحيث يلتبس علينا المراد؛ ولا في غير ذلك؛
[ ص: 358 ] أو: ولا تمعن في تتبع مداق الأمور؛ فإني أرضى بالحق على أدنى الوجوه؛ ولذا أتى به من الرباعي؛ والثلاثي؛ بمعناه؛ قال
أبو عبيد : "شط في الحكم"؛ و"أشط"؛ إذا جار؛ ولذا أيضا فك الإدغام؛ إشارة إلى أن النهي إنما هو عن الشطط الواضح جدا؛ ولما كان الحق له أعلى؛ وأدنى؛ وأوسط؛ طلبوا التعريف بالأوسط؛ فقالوا
واهدنا ؛ أي: أرشدنا؛
إلى سواء ؛ أي: وسط
الصراط ؛ أي: الطريق الواضح؛ فلا يكون بسبب التوسط ميل إلى أحد الجانبين؛ الإفراط في تتبع مداق الأمر؛ والتفريط في إهمال ذلك.