ولما كان التقدير: "ففعل؛ اغتسل؛ فبرأ ظاهره؛ وسر باطنه"؛ عطف عليه قوله - صارفا القول إلى مظهر الجلال؛ تنبيها على عظمة الفعل -:
ووهبنا ؛ أي: بما لنا من العظمة؛
له أهله ؛ أي: الذين كان الشيطان سلط عليهم؛ بأن أحييناهم؛ وجمع اعتبارا بالمعنى؛ لأنه أفخم؛ وأقرب إلى فهم المراد؛ فقال:
ومثلهم ؛ وأعلم باجتماع الكل في آن واحد؛ فقال:
معهم ؛ جددناهم له؛ وليعلم من يسمع ذلك أنه لا عبرة بشيء من الدنيا؛ وأنها وكل ما فيها عرض زائل؛ لا ثبات له أصلا؛ إلا ما كان لنا؛ فإنه من الباقيات الصالحات؛ فلا يغير أحد بشيء منها؛ ولا يشتغل عنا أصلا؛ ويعلم من هذا من صدقه القدرة على البعث؛ بمجرد تصديقه له؛ ومن توقف فيه سأل أهل الكتاب؛ فعلم ذلك بتصديقهم له؛ ثم علل - سبحانه - فعله ذلك بقوله:
رحمة ؛ ولما كان في مقام الحث على الصبر؛ عظم الأمر بقوله:
منا ؛ فإنه أعظم من التعبير في سورة "الأنبياء"؛ بـ "عندنا"؛ ليكون ذلك أحث على لزوم الصبر؛ وإذا نظرت إلى ختام الآيتين عرفت تفاوت العبارتين؛ ولاح لك أن مقام الصبر لا يساويه
[ ص: 392 ] شيء؛ لأن الطريق إليه - سبحانه - لا ينفك شيء منه عن صبر؛ وقهر للنفس؛ وجبر؛ لأنها بالإجماع خلاف ما تدعو إليه الطبائع؛
وذكرى ؛ أي: إكراما؛ وتذكيرا عظيما؛
لأولي الألباب ؛ أي: الأفهام الصافية؛ جعلنا ذلك لرحمته؛ ولتذكير غيره من الموصوفين على طول الزمان؛ ليتأسى به كل مبتلى؛ ويرجو مثل ما رجا؛ فإن
رحمة الله واسعة؛ وهو عند القلوب المنكسرة؛ فما بينه وبين الإجابة إلا حسن الإنابة؛ فمن دام إقباله عليه أغناه عن غيره:
لكل شيء إذا فارقته عوض ... وليس لله إن فارقت من عوض