ولما كانوا يسخرون من المؤمنين؛ ويستهزئون بهم؛ وهم ليسوا موضعا لذلك؛ بل حالهم في جدهم؛ وجدهم؛ في غاية البعد عن ذلك؛ قالوا - مستفهمين؛ أما على قراءة
الحرمين؛ nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ؛
nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم ؛ فتحقيقا؛ وأما على قراءة غيرهم فتقديرا -:
أتخذناهم ؛ أي: كلفنا أنفسنا؛ وعالجناها في أخذهم؛
سخريا ؛ أي: نسخر منهم؛ ونستهزئ بهم؛ على قراءة الكسر؛ ونسخرهم؛ أي: نستخدمهم؛ على قراءة الضم؛ وهم ليسوا أهلا لذلك؛ بل كانوا خيرا منا؛ فلم يدخلوا هنا لعدم شرارتهم؛ وكأنهم إلى تجويز كونهم في النار معهم؛ ومنعهم من رؤيتهم؛ أميل؛ فدلوا على ذلك بتأنيث الفعل؛ ناسبين خفاءهم عنهم إلى رخاوة في أبصارهم؛ على قوتها في ذلك الحين؛ فقالوا:
أم زاغت ؛ أي: مالت متجاوزة؛
عنهم
ولما كان (تعالى) يعيد الخلق في القيامة على غاية الإحكام في أبدانهم؛ ومعانيها؛ فتكون أبصارهم أحد ما يمكن أن تكون؛ وأنفذه:
أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا فبصرك اليوم حديد عدوا أبصارهم في الدنيا بالنسبة إليها عدما؛ فلذلك عرفوا قولهم:
الأبصار ؛ أي: منا؛ التي لا أبصار في الحقيقة سواها؛ فلم نرهم وهم فينا؛ ومعنا في النار؛ ولكن حجبهم عنا بعض أوديتها؛ وجبالها؛ ولهبها؛ فـ "أم"؛ معادلة لجملة السخرية؛ وقد
[ ص: 412 ] علم بهذا التقدير أن معنى الآية إلى انفصال حقيقي؛ معناه: أهم معنا أم لا؟ فهي من الاحتباك: أثبت الاتخاذ المذكور؛ الذي يلزمه - بحكم العناد بين الجملتين - عدم كون المستسخر بهم معهم في النار أولا؛ دليلا على ضده ثانيا؛ وهو كونهم معهم فيها؛ وأثبت زيغ الأبصار ثانيا؛ اللازم منه بمثل ذلك كونهم معهم في النار؛ دليلا على ضده أولا؛ وهو كونهم ليسوا معهم؛ وسر ذلك أن الموضع لتحسرهم؛ ولومهم لأنفسهم في غلطهم؛ والذي ذكر عنهم أقعد في ذلك.