ولما ذكر - سبحانه - حال الأولين موعظة
للعرب؛ فكان كأنه قيل - صرفا للقول إلى مظهر العظمة؛ تذكيرا بما في الأناة من المنة؛ لأن حالها يقتضي المعاجلة بالأخذ؛ والمبادرة بإحلال السطوة -: ضربنا لكم حالهم مثلا لحالكم؛ لتعتبروا به؛ فإن الأمثال يفهم بها المعاني الغائبة؛ وتصير كأنها محسوسة مشاهدة؛ عطف عليه قوله - مؤكدا لإنكارهم أن يكون في القرآن بيان شاف؛ وادعائهم أنه إنما هو شعر؛ وكهانة؛ وسحر -:
ولقد ضربنا ؛ على ما لنا من العظمة؛ ولما كان في سياق المفاضلة بين المتقي؛ وغيره؛ من أوائل السورة؛ حين قال:
أمن هو قانت إلى أن ختم بقوله:
أفمن يتقي بوجهه وأسس ذلك كله على ابتداء الخلق من نفس واحدة؛ كانت العناية في هذا السياق بالمخاطبين أكثر؛ فقدم قوله:
للناس ؛ أي: عامة؛ لأن رسالة رسولكم عامة.
ولما كان المتعنت كثيرا؛ عين المحدث عنه بالإشارة؛ التي هي أعرف المعارف؛ وجعلها ما يعبر به عن القرب؛ إشارة إلى أنه لما أتى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - خلع القلوب؛ وملأها؛ فلا حاضر فيها سواه؛ وإن كان المعاند يقول غير ذلك؛ فقوله زور؛ وبهتان؛ وإثم؛ وعدوان؛ فقال:
في هذا القرآن ؛ أي: الجامع لكل علم؛ ولما كانت كلماته - سبحانه - لا تنفد؛ وعجائبه لا تعد ولا تحد؛ وكان في
[ ص: 496 ] سياق التعجيب من توقفهم؛ قال:
من كل مثل ؛ أي: يكفي ضربه في البيان؛ لإقامة الحجة البالغة؛ ثم بين علة الضرب بقوله:
لعلهم يتذكرون ؛ أي: ليكون حالهم بعد ضربه حال من يرجى تذكره بما ضرب له ما يعرفه في الكون؛ في نفسه؛ أو في الآفاق؛ تذكرا واضحا مكشوفا - بما أرشد إليه الإظهار - فيتعظ؛ لما في تلك الأمثال المسوقة في أحسن المقال؛ المنسوقة بما يلائمها من الأوضاع؛ والأشكال من البيان؛ وأوضح البرهان.