ولما كانوا مع هذه الحجج القاطعة؛ والأدلة القامعة؛ والبراهين الساطعة؛ التي لا دافع لها بوجه؛ كالبهائم؛ لا يبصرون إلا الجزئيات حال وقوعها؛ قال - مهددا مع الاستعطاف -:
قل يا قوم ؛ أي: يا أقاربي؛ الذين أرتجيهم عند الملمات؛ وفيهم كفاية في القيام بما يحاولونه؛
اعملوا ؛ أي: افعلوا أفعالا مبنية على العلم؛
على مكانتكم ؛ أي: حالتكم التي ترتبتم فيها؛ وجمدتم عليها؛ لأنه جبلة لكم؛ من الكون والمكنة؛ لتبصروا حقائق الأمور؛ فتنتقلوا عن أحوالكم السافلة إلى المنازل العالية؛ فكأنه يشير إلى أنهم كالحيوانات العجم؛ لا اختيار لهم؛ ويعرض بالعمل؛ الذي مبناه العلم والمكانة التي محطها الجمود؛ بأن أفعالهم ليس فيها ما ينبني على العلم؛ وإنما هي جزاف؛ لا اعتبار لها؛ ولا وزن لها؛ ثم أجاب من عساه أن يقول له منهم: فماذا تعمل أنت؟ بقوله:
إني عامل ؛ على كفاية الله لي؛ ليس لي نظر إلى سواه؛ ولا أخشى غيره؛ وليس لي مكانة ألتزم الجمود عليها؛ بل أنا واقف على ما يرد من عند الله؛ إن نقلني انتقلت؛ وإن أمرني بغير ذلك امتثلت؛ وأنا مرتقب كل وقت للزيادة؛ ثم سبب عن قول من لعله يقول منهم: وماذا عساه يكون؟ قوله - إيذانا بأنه على ثقة من أمره؛ لأن المخبر له به الله -:
فسوف تعلمون ؛ أي: بوعد لا خلف فيه؛