ولما اشتملت هذه القصة على المصيبة التي سيقص الله كثيرا منها؛ وهي مستوفاة في السير؛ كان أنسب من قصها وبيان ما اتفق لها - لوعظ من يأتي - البداءة بتذكير من باشرها بما وعدهم الله به على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - قبل وقوع القتال؛ من النصر المشروط بالصبر؛
[ ص: 56 ] والتقوى؛ تنبيها لهم على أن الخلل من جهتهم أتى؛ ثم وعظهم بالنهي عما منعهم النصر؛ والأمر بما يحصله لهم؛ كما سيحثهم على ذلك بما يقص عليهم من نبإ من قاتل مع الأنبياء قبلهم؛ بأنهم لما أصابهم القتل لم يهنوا؛ وعلموا أن الخلل من أنفسهم؛ فبادروا إلى إصلاحه بأفعال المتقين؛ من الصبر؛ والتضرع؛ والإقرار بالذنب؛ فقال - مبدلا من: " إذ غدوت " ؛ عودا على بدء؛ تعظيما للأمر؛ حثا على النظر في موارده؛ ومصادره؛ والتدبر لأوائله؛ وأواخره -:
إذ تقول للمؤمنين ؛ أي: الذين شاورتهم في أمر
"أحد" - وفي غمارهم المنافقون - لما زلزلوا برجوع أكثر المنافقين؛ حتى كاد بعض الثابتين أن يرجع؛ ضعفا؛ وجبنا؛ مع ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرهم به من تلك الرؤيا التي أولها بذبح يكون في أصحابه؛ ليكون إقدامهم على بصيرة؛ أو يصدهم ذلك عن الخروج إلى العدو؛ كما كان ميل النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكثر أصحابه؛ وأعلامهم؛ إلى المكث في
المدينة؛ قال منكرا؛ آتيا بأداة التأكيد؛ للنفي:
ألن يكفيكم ؛ أي: أيها المؤمنون؛
أن يمدكم ؛ إمدادا خفيا - بما أشار إليه الإدغام؛
ربكم ؛ أي: المتولي لتربيتكم؛ ونصر دينكم؛
بثلاثة آلاف [ ص: 57 ] ثم عظم أمرهم بقوله:
من الملائكة ؛ ثم زاد في إعظامهم بأنهم من السماء؛ بقوله:
منـزلين ؛