ولما كان من أعظم ذنوبهم
إنكار البعث، وكانوا قد استقروا العوائد، وسبروا ما جرت به الأقدار في الدهور والمدائد، من أن كل ثان لا بد له من ثالث، وكان الإحياء لا يطلق عرفا إلا من كان عن موت، حكى سبحانه جوابهم بقوله الذي محطه الإقرار بالبعث والترفق بالاعتراف بالذنب حيث لا ينفع لفوات شرطه وهو الغيب:
قالوا ربنا أي أيها المحسن إلينا بما تقدم في دار الدنيا
أمتنا اثنتين قيل: واحدة عند انقضاء الآجال في الحياة الدنيا وأخرى بالصعق بعد البعث أو الإرقاد بعد سؤال القبر، والصحيح أن تفسيرها آية البقرة
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم وأما الصعق فليس بموت، وما في القبر فليس بحياة حتى يكون عنه موت، وإنما هو إقدار على الكلام كما أقدر سبحانه الحصى على التسبيح والحجر على التسليم، والضب على الشهادتين، والفرس حين قال لها
[ ص: 19 ] فارسها ثبى إطلال على قولها وثبا وسورة البقرة
وأحييتنا اثنتين واحدة في البطن، وأخرى بالبعث بعد الموت، أو واحدة بالبعث وأخرى بالإقامة من الصعق، أو الإقامة في القبر، فشاهدنا قدرتك على البعث
فاعترفنا أي فتسبب عن ذلك أنا اعترفنا بعد تكرر الإحياء
بذنوبنا الحاصلة بسبب إنكار البعث لأن من لم يخش العاقبة بالغ في متابعة الهوى، فذلك توبة لنا
فهل إلى خروج أي من النار ولو على أدنى أنواع الخروج بالرجوع إلى الدنيا فنعمل صالحا
من سبيل فنسلكه فنخرج ثم تكون لنا موتة ثالثة وإحياءة ثالثة إلى الجنة التي جعلتها جزاء من أقر بالبعث.