ولما تم هذا على هذا الوجه المهول، وكان
يوم القيامة له أسماء تدل على أهواله باعتبار مواقفه وأحواله، منها يوم البعث وهو ظاهر، ومنها يوم التلاق لما تقدم، ومنها يوم التغابن لغبن أكثر من فيه خسارته، ومنها يوم الآزفة لقربه وسرعة أخذه، وكان كأنه قيل خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم: وأمن ممن ألقينا هذا الروح الأعظم من أمرنا فأنذرهم ما مضى من يوم التلاقي وما عقبناه به، عطف عليه قوله زيادة في بيان هوله إعلاما بأنه مع ثبوته وثبوت التلاقي فيه قريب تحذيرا من تزيين إبليس للشهوات وتقريره بالتسويف بالتوبة:
وأنذرهم أي هؤلاء المعرضين إعراض من لا يجوز الممكن
يوم الآزفة أي الحالة الدائبة العاجلة السريعة جدا مع الضيق في الوقت وسوء العيش لأكثر الناس، وهي القيامة، كرر ذكرها الإنذار منها تصريحا وتلويحا وتهويلا لها وتعظيما لشأنها.
ولما ذكر اليوم، هول أمره بما يحصل فيه من المشاق فقال:
[ ص: 31 ] إذ القلوب أي من كل من حضره. ولما كان هذا الرعب على وجه غريب باطن، عبر ب "لدى" فقال:
لدى الحناجر أي حناجر المجموعين فيه إلا من شاء الله، وهي جمع حنجور وهي الحلقوم وزنا ومعنى، يعني أنها زالت عن أمكانها صاعدة من كثرة الرعب حتى كادت تخرج وصارت مواضعها من الأفئدة هواء، وكانت الأفئدة معترضة كالشجا لا هي ترجع إلى مقارها فيستريحوا ولا تخرج فيموتوا.
ولما كان الحديث - وإن كان في الظاهر عن القلوب - إنما هو عن أصحابها، جمع على طريقة جمع العقلاء، وزاده حسنا أن القلوب محل الكظم، وبها صلاح الجملة وفسادها، وقد أسند إليها ما يسند للعقلاء فقال:
كاظمين أي ممتلئين خوفا ورعبا وحزنا، ساكتين مكروبين، قد انسدت مجاري أنفاسهم وأخذ بجميع إحساسهم.
ولما كان من المعلوم أن ذلك الكرب إنما هو للخوف من ديان ذلك اليوم، وكان من المعهود أن الصداقات تنفع في مثل ذلك اليوم والشفاعات، قال مستأنفا:
ما للظالمين أي العريقين في الظلم منهم
من حميم أي قريب صادق في مودتهم مهتم بأمورهم
[ ص: 32 ] مزيل لكروبهم، قال ابن برجان: والحميم: الماء الحار الناهي في الحرارة، سمي القريب به لأنه يحمي لقريبه غضبا، والغضب حرارة تعرض في القلب تخرج إلى الوجه فيحمر وتنتفخ الأوداج فيستشيط غيظا
ولا شفيع يطاع أي ليس لهم شفيع أصلا لأن الشفيع يعلم أنه لو شفع ما أطيع فهو لا ينفع، وقد يشفع في بعضهم بعض المقربين لعلامة فيهم يحصل بها اشتباه يظن بهم أنهم ممن يستحق الشفاعة فينبه على أنهم ليسوا بذلك، فيبرأ منهم.