ولما كان من معاني العزة أنه ممتنع بمتانة رصفه وجزالة نظمه وجلالة معانيه من أن يلحقه تغيير ما، بين ذلك بقوله:
لا يأتيه الباطل أي البين البطلان إتيان غلبة فيصير أو شيء منه باطلا بينا، ولما كان المراد تعميم النفي، لا نفي العموم، أدخل الجار فقال:
من بين يديه أي من جهة الظاهر مثل ما أمر أخبر به عما كان قبله
ولا من خلفه من جهة العلم الباطن مثل علم ما لم يشتهر من الكائن والآتي سواء كان حكما أو خبرا لأنه في غاية الحقية والصدق، والحاصل أنه لا يأتيه من جهة من الجهات، لأن ما قدام أوضح ما يكون، وما خلف أخفى ما يكون، فما بين ذلك من باب الأولى، فالعبارة كناية عن ذلك لأن
صفة الله لا وراء لها ولا أمام على الحقيقة، ومثل ذلك ليس وراء الله مرمى، ولا دون الله منتهى، ونحوه مما تفهم العرب ومن علم لسانها
[ ص: 202 ] المراد به دون لبس، ثم علل ذلك بقوله:
تنـزيل أي بحسب التدريج لأجل المصالح
من حكيم بالغ الحكمة فهو يضع كل شيء منه في أتم محاله في وقت النزول وسياق النظم
حميد أي بالغ الإحاطة بأوصاف الكمال من الحكمة وغيرها والتنزه والتطهر والتقدس عن كل شائبة نقص، يحمده كل خلق بلسان حاله إن لم يحمده بلسان قاله، بما ظهر عليه من نقصه أو كماله، والخبر محذوف تقديره: خاسرون لا محالة لأنهم لا يقدرون على شيء مما يوجهونه إليه من الطعن لأنهم عجزة ضعفاء صغرة كما قال المعري:
أرى الجوزاء تكبر أن تصادا ... فعاند من تطيق له عنادا
وحذف الخبر أهول لتذهب النفس كل مذهب.