ولما كان في العقوبة مصلحة ومفسدة فندب سبحانه إلى المغفرة تقديما لدرء المفسدة لأن
الإنسان لعدم علمه بالقلوب لا يصح له بوجه أن يعاقب بمجرد الغضب لأنه قد يخطئ فيعاقب من أغضبه، وهو
[ ص: 334 ] شريف الذات كريم الطبع على الهمة أبي النفس، ما وقع منه الذنب الذي أغضب إلا خطأ معفوا عنه أو كذب عليه فيه فيربي في نفسه أخته تفسد ذات البين فيجر إلى خراب كبير، وكانت إدامة الغفر جالبة للفساد مجرئة على العناد، وكان البغي هو التمادي في السوء محققا لقصد الذنب مجوزا للإقدام على الانتقام، وكان الانتصار من الفجار ربما أحوج مع قوة الجنان إلى إنفاق المال، عقب الإنفاق بمدح الانتصار بقوله:
والذين وذكر أداة التحقق إشارة إلى أن شرطها لا بد من وقوعه بالفعل أو بالقوة فقال ناصبا بفعل الانتصار مقدما لما من شأن النفس الاهتمام بدفعه لعدم صبرها عليه:
إذا أصابهم أي وقع بهم وأثر فيهم
البغي وهو التمادي على الرمي بالشر
هم أي بأنفسهم خاصة لما لهم من قوة الجنان والأركان المعلمة بأن ما تقدم من غفرانه ما كان إلا لعلو شأنهم لا لهوانهم
ينتصرون أي يوقعون بالعلاج بما أعطاهم الله من سعة العقل وشدة البطش وقوة القلب النصر لأنفسهم في محله على ما ينبغي من زجر الباغي عن معاودتهم وعن
[ ص: 335 ] الاجتراء على غيرهم مكررين لذلك كلما كرر لهم فيكون ذلك من إصلاح ذات البين، ليسوا بعاجزين ولا في أمر دينهم متوانين، والتعبير في هذه الأفعال بالإسناد إلى الجمع إشارة إلى أنه لا يكون تمام التمكن الرادع إلا مع الاجتماع، ومن كان فيها مفردا كان همه طويلا وبثه جليلا، قال
النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق.