ولما كان
الإيمان بالملائكة الذين هم جند الملك من دعائم أصول الدين، وكان الإيمان بالشيء إن لم يكن على ما هو عليه الشيء ولو بأدنى الوجوه كان مختلا، وأخبر سبحانه أنهم وصفوهم بغير ما هم عليه ففرطوا بوصفهم بالبنات حتى أنزلوهم إلى الحضيض وأفرطوا بالعبادة حتى أعلوهم عن قدرهم فانسلخوا في كلا الأمرين من صريح العقل بما أشار إليه ما مضى، أتبع ذلك أنهم عريئون أيضا من صحيح النقل، فقال معادلا لقوله
أشهدوا خلقهم إنكارا عليهم بعد إنكار، موجبا ذلك أعظم العار، لافتا القول عن الوصف بالرحمة تنبيها بمظهر العظمة على أن حكمه تعالى متى برز لم يسع سامعة إلا الوقوف عنده والامتثال على كل حال وإلا حل به أعظم النكال:
أم آتيناهم [ ص: 409 ] بما لنا من العظمة
كتابا أي جامعا لما يريدون اعتقاده من أقوالهم هذه
من قبله أي القرآن أخبرناهم فيه أنا جعلناهم إناثا وأنا لا نشاء إلا ما هو حق نرضاه ونأمر به
فهم أي فتسبب عن هذا الإيتاء أنهم
به أي وحده
مستمسكون أي موجدون الاستمساك به وطالبون للثبات عليه في عبادة غير الله، وفي أن ذلك حق لكونه لم يعاجلهم بالعقوبة، وفي
وصفهم الملائكة بالأنوثة، وفي غير ذلك من كل ما يرتكبونه باطلا، والإنكار يقتضي نفي ما دخل عليه من إيتاء الكتاب كما انتفى إشهاده لهم خلقهم، وهذه المعادلة التي لا يشك فيها من له بصر بالكلام تدل على صحة كون الإشارة في
ما لهم بذلك من علم شاملة لدعواهم الأنوثة في الملائكة.