ولما كان من المعلوم أن السامع يقول لمن أحاط علمه بهم ويعلم سرهم وعلنهم: يا رب! بل رجعوا، أجيب بقوله:
بل أي لم يرجعوا بل استمروا لأجل إظهاري لقدرتي على القلوب بإقحام أربابها برضاهم واختيارهم في أقبح الخطوب وأفحش الذنوب على ترك الطريق المنيع والصراط الأقوم وزاغوا عنه زيغا عظيما، واستمروا في ضلالهم وتيههم ولم أعاجلهم بالعقوبة لأني
متعت بإفراده ضميرهم سبحانه لأن التمتيع يتضمن إطالة العمر التي لا يقدر عليها ظاهرا ولا باطنا سواه وأما الانتقام فقد يجعله بأيدي عباده من الملائكة وغيرهم فهو من وادي
سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين [ ص: 418 ] هؤلاء أي الذين بحضرتك من المشركين وأعداء الدين
وآباءهم فمددت من الأعمار مع سلامة الأبدان ومتانة الأركان، وإسباغ النعم والإعفاء من البلايا والنقم، فأبطرتهم نعمي وأزهدتهم أيادي جودي وكرمي، وتمادى بهم ركوب ذلك الباطل
حتى جاءهم الحق بهذا الدين المتين
ورسول مبين أي أمره ظاهر في نفسه، لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهية تنبئك بالخبر وهو مع ظهوره في نفسه مظهر لكل معنى يحتاج إليه، و
متعت بالخطاب من لسان الرسول المنزل عليه هذا الكتاب لأنه يدعو انتهازا للفرصة لعله يجاب بما يزيل الغصة يقول: يا رب! قد أقمتهم لمن يجهل العواقب في مقام من يرجى رجوعه فما قضيت بذلك بل متعت إلى آخره.