ولما ذكر - سبحانه وتعالى - هذه الجمل على هذا الوجه الذي بين فيه العلل؛ وأوضح بحال الزلل؛ وكان التقدير - بعد انقضائها -: "فكأين من قوم أمرناهم بالجهاد؛ فكانوا على هذين القسمين؛ فأثبنا الطائع؛ وعذبنا العاصي؛ ولم يضرنا ذلك شيئا؛ ولا جرى شيء منه على غير مرادنا"؛ عطف عليه - يؤسيهم بطريق الصالحين من قبلهم؛ ويسليهم بأحوالهم - قوله:
وكأين ؛ وهي بمعنى "كم"؛ وفيها لغات كثيرة؛ قرئ منها في العشر بثنتين: الجمهور بفتح الهمزة؛ بعد الكاف؛ وتشديد الياء المكسورة؛
nindex.php?page=showalam&ids=16456وابن كثير؛ وأبو جعفر بألف ممدودة؛ بعد الكاف؛ وهمزة مكسورة؛ ولعلها أبلغ - لأنه عوض عن الحرف المحذوف - من المشهورة بالمد؛ والمد أوقع في النفس؛ وأوقر في القلب; وفيها كلام كثير - في لغاتها؛ ومعناها؛ وقراءاتها المتواترة؛ والشاذة؛ وصلا ووقفا؛ ورسمها في مصحف الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان - رضي الله عنه -
[ ص: 86 ] الذي وقع إجماع الصحابة عليه؛ ليكون المرجع - عند الاختلاف - إليه؛ وهل هي بسيطة؛ أو مركبة؟ ومشتقة؛ أو جامدة؟ وفي كيفية التصرف في لغاتها - استوعبته في كتابي "الجامع المبين"؛ لما قيل في "كأين"؛ وقال سبحانه:
من نبي ؛ لتكون التسلية أعظم؛ بذكر ما هو طبق ما وقع في هذه الغزوة من قتل أصحابه؛ واحتمال العبارة لقتله نفسه؛ بقوله:
قاتل ؛ أي: ذلك النبي؛ حال كونه؛
معه ؛ لكن الأرجح إسناد "قاتل"؛ إلى "ربيون"؛ لموافقته قراءة الجماعة - سوى الحرميين؛
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبي عمرو -:
قاتل معه ربيون ؛ أي: علماؤهم؛ ورثة الأنبياء؛ وعلى منهاجهم؛
كثير فما ؛ أي: فما تسبب عن قتل نبيهم وهنهم؛ أو يكون المعنى - ويؤيده الوصف بالكثرة -: قاتل الربيون؛ فما تسبب عن قتلهم أن الباقين بعدهم
وهنوا ؛ أي: ضعفوا عن عملهم؛
لما أصابهم في سبيل الله ؛ أي: الملك الأعظم؛ من القتل لنبيهم الذي هو عمادهم؛ أو لإخوانهم الذين هم أعضادهم؛ لكونه من الله؛
وما ضعفوا أي:
[ ص: 87 ] مطلقا؛ في العمل؛ ولا في غيره؛
وما استكانوا ؛ أي: وما خضعوا لأعدائهم؛ فطلبوا أن يكونوا تحت أيديهم - تعريضا بمن قال: "اذهبوا إلى
أبي عامر الراهب ليأخذ لنا أمانا من
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبي سفيان"؛ بل صبروا؛ فأحبهم الله لصبرهم؛
والله ؛ أي: الذي له صفات الكمال؛
يحب الصابرين ؛ أي: فليفعلن بهم من النصر؛ وإعلاء القدر؛ وجميع أنواع الإكرام؛ فعل من يحبه.