ولما كان الإيلام قد يؤذي الجسد، وكان التقدير حتما بما هدى إليه السياق فيقال لهم: فلن ينفعكم ذلك اليوم يوم جئتمونا إذ تمنيتهم هذا التمني حين عاينتم تلك الأهوال اشتراككم اليوم في يوم الدنيا في الظلم وتمالؤكم عليه ومنافرة بعضكم لبعض، عطف عليه قوله:
ولن ينفعكم اليوم أي في الدنيا شيئا من نفع أصلا
إذ حين
ظلمتم حال كونكم مشتركين في الظلم متعاونين عليه متناصرين فيه، وكل واحد منكم يقول لصاحبه سرورا به وتقربا إليه وتوددا: يا ليت أنا لا نفترق أبدا فنعم القرين أنت، فيقال لهم توبيخا:
أنكم في العذاب أي العظيم، وقدمه اهتماما بالزجر به والتخويف منه
مشتركون [ ص: 432 ] أي اشتراككم فيه دائما ظلمكم أنفسكم ظلما باطنا بأمور أخفاها الطبع على القلوب وهو موجب للارتباك في أشراك المعاصي الموصلة إلى العذاب الظاهر يوم التمني ويوم القيامة عذابا ظاهرا محسوسا، وذلك كمن يجرح جراحة بالغة وهو مغمي عليه فهو معذب بها قطعا، ولكنه لا يحس إلا إذا أفاق فهو كما تقول لأناس يريدون أن يتمالئوا على قتل نفس محرمة: لن ينفعكم اليوم إذ تتعاونون على قتله اشتراككم غدا في الهلاك بالسجن الضيق والضرب المتلف وضرب الأعناق، مرادك بذلك زجرهم عن ظلمهم بتذكيرهم بأنهم يصلون إلى هذا الحال ويزول ما هم فيه من المناصرة فلا ينفعهم شيء منها - والله الموفق، فالآية من الاحتباك، وبه زال عنها ما كان من إعراب المعربين لها موجبا للارتباك "فيا ليت" - إلى آخره، دال على تقدير ضده ثانيا "ولن ينفعكم" - إلى آخره، دال على تقدير مثله أولا.