ولما كان كلامه هذا واضعا له عند من تأمل لا رافعا، وكان قد مشى على أتباعه لأنهم مع المظنة دون المنة، فهم أذل شيء لمن ثبتت له رئاسته دنيوية وإن صار ترابا، وأعصى شيء على من لم تفقه له الناس وإن فعل الأفاعيل العظام، تشوف السامع إلى ما يتأثر عنه فقال:
فاستخف أي بسبب هذه الخدع التي سحرهم بها في هذا الكلام الذي هو في الحقيقة محقر له موهن لأمره قاصم لملكه عند من له لب
قومه الذين لهم قوة عظيمة، فحملهم بغروره على ما كانوا مهيئين له في خفة الحلم
فأطاعوه بأن أقروا بملكه وأذعنوا لضخامته واعترفوا بربوبيته وردوا أمر
موسى عليه الصلاة والسلام.
ولما كان كلامه كما مضى أعظم موهن لأمره وهو منقوض
[ ص: 451 ] على تقدير متانته بأن
موسى صلى الله عليه وسلم على نبينا وعليه وسلم أتى بما يغني عما قاله من الأساورة وظهور الملائكة بأنه مهما هددهم فعله ومهما طلبوه منه أجابهم إليه، فلم يكن للقبط داع إلى طاعة فرعون بعدما رأوا من الآيات إلا المشاكلة في خباثة الأرواح، علل ذلك سبحانه بقوله مؤكدا لما يناسب أحوالهم فيرتضي أفعالهم وهم الأكثر:
إنهم كانوا أي بما في جبلاتهم من الشر والنفاق لأنهم كانوا
قوما أي عندهم قوة شكائم توجب لهم الشماخة إلا عند من يقهرهم بما يألفون من أسباب الدنيا
فاسقين أي عريقين في الخروج عن طاعة الله إلى معصية، قد صار لهم ذلك خلقا ثانيا،