ولما ذكر علة الصرف والعفو عنه؛ صوره؛ فقال:
إذ ؛ أي: صرفكم؛ وعفا عنكم؛ حين
تصعدون ؛ أي: تزيلون الصعود؛ فتنحدرون نحو
المدينة؛ أو تذهبون في الأرض لتبعدوا عن محل الوقعة؛ خوفا من القتل؛
ولا تلوون ؛ أي: تعطفون؛
على أحد ؛ أي: من قريب؛ ولا بعيد؛
والرسول ؛ أي: الذي أرسل إليكم لتجيبوه إلى كل ما يدعوكم إليه؛ وهو الكامل في الرسلية؛
يدعوكم في أخراكم ؛ أي: ساقتكم؛ وجماعتكم الأخرى؛ وأنتم مدبرون؛ وهو ثابت في مكانه؛ في نحر العدو؛ في نفر يسير؛ لا يبلغون أربعين نفسا - على اختلاف الروايات - وثوقا بوعد الله؛ ومراقبة له؛ يقول - كلما مرت عليه جماعة منهزمة -: "إلي عباد الله؛ أنا رسول الله؛ إلي؛ إلي؛ عباد الله"؛ كما هو اللائق بمنصبه الشريف؛ من الاعتماد على الله؛ والوثوق بما عنده؛ وعد من دونه من ولي
[ ص: 96 ] وعدو عدما; وإنما قلت: إن معنى ذلك الانهزام؛ لأن الدعاء يراد منه الإقبال على الداعي؛ بعد الانصراف عما يريده؛ ليأمر وينهى؛ فعلم بذلك أنهم مولون عن المقصود؛ وهو القتال؛ وفي التفسير من
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري؛ عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء - رضي الله (تعالى) عنه - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654195 "جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرجالة يوم "أحد"؛ nindex.php?page=showalam&ids=4700عبد الله بن جبير - رضي الله (تعالى) عنه - وأقبلوا منهزمين؛ فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم؛ ولم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غير اثني عشر رجلا".
ولما تسبب عن العفو ردهم عن الهزيمة إلى القتال؛ قال (تعالى):
فأثابكم ؛ أي: جعل لكم ربكم ثوابا؛
غما ؛ أي: باعتقادكم قتل الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ وكان اعتقادا كاذبا ملئتم به رعبا؛
بغم ؛ أي: كان حصل لكم من القتل؛ والجراح؛ والهزيمة؛ وسماه - وإن كان في صورة العقاب - باسم الثواب؛ لأنه كان سببا للسرور؛ حين تبين أنه خبر كاذب؛ وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سالم؛ حتى كأنهم - كما قال بعضهم - لم تصبهم مصيبة؛ فهو من الدواء بالداء؛ ثم علله بقوله:
لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ؛ أي: من النصر؛ والغنيمة
ولا ما أصابكم ؛ أي: من القتل؛ والجراح والهزيمة؛ لاشتغالكم عن ذلك
[ ص: 97 ] بالسرور بحياة الرسول - صلى الله عليه وسلم.
ولما قص - سبحانه وتعالى - عليهم ما فعلوه ظاهرا؛ وما قصدوه باطنا؛ وما داواهم به؛ قال - عاطفا على ما تقديره: "فالله - سبحانه وتعالى - خبير بما يصلح أعمالكم؛ ويبرئ أدواءكم" -:
والله ؛ أي: المحيط علما؛ وقدرة؛
خبير بما تعملون ؛ أي: من خير؛ وشر؛ في هذه الحال؛ وغيرها؛ وبما يصلح من جزائه؛ ودوائه؛ فتارة يداوي الداء بالداء؛ وتارة بالدواء؛ لأنه الفاعل القادر؛ المختار.