ولما كان سبحانه وتعالى إنما يقبل الإيمان عند إمكان تصوره، وذلك إذا كان بالغيب لم يجبهم إلى إحياء آبائهم إكراما لهذه الأمة لشرف نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام؛ لأن سنته الإلهية جرت بأن
من لم يؤمن بعد كشف الأمر بإيجاد الآيات المقترحات أهلكه كما فعل بالأمم الماضية، فرفعهم عن الحس إلى التدريب على الحجج العقلية فقال آمرا له صلى الله عليه وسلم بالجواب بقوله تعالى:
قل الله أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلما وحكمة
يحييكم أي: يجدد هذا تجديدا لا يحصى كما أنتم [به] مقرون إحياء لأجساد يخترعها من غير أن يكون لها أصل في الحياة
ثم يميتكم بأن يجمع أرواحكم من أجسادكم فيستلها منها لا يدع "شيئا" منها في شيء من الجسد وما
[ ص: 102 ] ذلك على الله بعزيز، فإذا هو كما كان قبل الإحياء كما تشاهدون، ومن قدر على هذا الإبداء على هذا الوجه من التكرر ثم على تمييز ما بث من الروح في حال سلها من تلك الأعضاء الظاهر عادة مستمرة كان المخبر عنه بأنه يجمع الخلق بعد موتهم من العريقين في الصدق، فلذلك قال من غير تأكيد:
ثم يجمعكم أي: بعد التمزق فيعيد فيكم أرواحكم كما كانت بعد طول مدة الرقاد، منتهين
إلى يوم القيامة أي: القيام الأعظم لكونه عاما لجميع الخلائق الذين أماتهم.
ولما صح بهذا الدليل القطعي المدعى، أنتج قوله:
لا ريب أي: شك بوجه من الوجوه
فيه بل هو معلوم علما قطعيا ضروريا
ولكن أكثر الناس بما لهم من السفول بما ركبنا فيهم من الحظوظ والشهوات التي غلبت على غريزة العقل فردوا بها أسفل سافلين في حد النوس وهو التردد لم يرتقوا [إلى سن الإيمان]
لا يعلمون [أي لا يتجدد لهم علم لما لهم من النوس والتردد والسفول] عن
[ ص: 103 ] أوج العقل إلى حضيض الجهل، فهم واقفون مع المحسوسات، لا يلوح لهم ذلك مع ما له من الظهور لتظهر قدرتنا ويتحقق اسمنا الباطن كما تحقق الظاهر عند من هديناه لعلم ذلك.