ولما تسبب عن قولهم هذا إتيان العذاب [فأتاهم] في سحاب أسود، استمروا على جهلهم وعادتهم في الأمن وعدم تجويز
[ ص: 168 ] الانتقام، وكأن إتيانه كان قريبا من استعجالهم به، فلذلك أتى بالفاء في قوله مسببا عن تكذيبهم مبينا لعظيم جهلهم بجهلهم في المحسوسات، مفصلا لما كان من حالهم عند رؤية البأس:
فلما رأوه أي: العذاب الذي يعدهم به
عارضا أي: سحابا أسود بارزا في الأفق ظاهر الأمر عند من له أهلية النظر، حال كونه قاصدا [إليهم]
مستقبل أوديتهم أي: طالبا لأن يكون مقابلا لها وموجدا لذلك، وهو وصف ل: "عارضا" فهو نكرة إضافته لفظية، وإن كان مضافا إلى معرفة، وكذا "ممطرنا"
قالوا على عادة جهلهم مشيرين إليه بأداة القرب الدالة على أنهم في غاية الجهل، لأن جهلهم به استمر حتى كاد أن يواقعهم:
هذا عارض أي: سحاب معترض في عرض السماء أي ناحيتها
ممطرنا لكونهم رأوه أسود مرتادا فظنوه ممتلئا ماء يغاثون به بعد طول القحط وإرسال رسلهم إلى
مكة المشرفة ليدعوا لهم هنالك الله الذي استخفوا به بالقدح في ملكه بأن أشركوا به من هو دونهم، علما منهم بأن شركاءهم لا تغني عنهم في الإمطار شيئا، غافلين عن ذنوبهم الموجبة لعذابهم، فلذلك قال الله تعالى مضربا عن كلامهم، والظاهر أنه حكاية
[ ص: 169 ] لقول
هود عليه الصلاة والسلام في جواب كلامهم:
بل هو أي: هذا العارض الذي ترونه
ما استعجلتم به أي: طلبتم العجلة في إتيانه إليكم من العذاب.
ولما اشتد تشوف السامع إلى معرفته قال:
ريح أي: ركمت هذا السحاب الذي رأيتموه
فيها عذاب أليم أي: شديد الإيلام، كانت تحمل الظعينة في الجو تحملها وهودجها حتى ترى كأنها جرادة، وكانوا يرون ما كان خارجا عن منازلهم من الناس والمواشي تطير بهم الريح بين السماء والأرض ثم تقذف بهم