ولما أخبر سبحانه وتعالى بأقفال قلوبهم، بين منشأ ذلك، فقال مؤكدا تنبها [لمن لا يهتم به] على أنه مما ينبغي الاهتمام بالنظر فيه ليخلص الإنسان نفسه منه، وتكذيبا لمن يقال: إن ذلك حسن:
إن الذين ارتدوا أي: عالجوا نفوسهم في منازعة الفطرة الأولى في الرجوع عن الإسلام، وهو المراد بقوله:
على أدبارهم أي: من أهل الكتاب وغيرهم، فقلبوا وجوه الأمور إلى ظهورها، فوقعوا في الضلال فكفروا.
ولما كان الذي يلامون عليه ترك ما أتاهم به النبي صلى الله عليه وسلم مما أوحاه الله سبحانه إليه من الشريعة، لا ما في غرائزهم من الملة التي يكفي في الهداية إليها نور العقل، وكان الذم لاحقا بهم ولو كان ارتدادهم في أدنى وقت، أثبت الجار فقال:
من بعد ما تبين غاية البيان الذي لا خفاء معه بوجه، وظهر غاية الظهور
لهم بالدلائل التي هي من شدة ظهورها غنية عن بيان مبين
الهدى أي: الذي أتاهم به رسولنا صلى الله عليه وسلم.
[ ص: 246 ] ولما كانوا قد أحرقوا بذلك أنفسهم وأبعدوها به غاية البعد عن كل خير، عبر عن المغوي بما يدل على ذلك فقال تعالى:
الشيطان أي: المحترق باللعنة البعيد من الرحمة
سول أي: حسن
لهم بتزيينه وإغوائه الذي حصل لهم منه استرخاء في عزائمهم وفتور في هممهم فجروا معه في مراده في طول الأمل، والإكثار من مواقعة الزلل والأماني من جميع الشهوات والعلل، بعد أن زين لهم سوء العمل، بتمكين الله له منهم، وهذا لما علم سبحانه منهم حال الفطرة الأولى
وأملى لهم أي: أطال في ذلك ووسع بتكرار ذلك عليهم على تعاقب الملوين ومر الجديدين حتى نسوا المواعظ وأعرضوا عن الذكر؛ هذا على قراءة الجماعة بفتح الهمزة واللام، وأما على قراءة البصريين بضم الهمزة وكسر اللام فالمراد أن الله تعالى هو المملي - أي الممهل - لهم بإطالة العمر وإسباغ النعم، وتسهيل الأماني والحلم عن المعاجلة بالنقم، حتى اغتروا، وهي أيضا موافقة لقوله تعالى:
سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين وأما في قراءة
[ ص: 247 ] nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بفتح الياء فهو فعل ماض مبني للمفعول، ودل على أن المملي هو الله سبحانه وتعالى قراءة
يعقوب بإسكان الياء على أنه مضارع همزته للمتكلم.