ولما حدا ما تقدم كله من ترغيب المخلص وترهيب المتردد والمبطل إلى الإخلاص ودعا إلى ذلك مع بيان أنه لا غرض أصلا، وإنما هو رحمة ولطف وإحسان [و] من، أنتج قوله مناديا من احتاج إلى النداء من نوع بعد لاحتياجه إلى ذلك وعدم مبادرته قبله:
يا أيها الذين آمنوا أي: أقروا بألسنتهم
أطيعوا الله أي: الملك
[ ص: 260 ] الأعظم تصديقا لدعواكم طاعته بشدة الاجتهاد فيها أنها خالصة، وعظم الرسول صلى الله عليه وسلم بإفراده فقال تعالى:
وأطيعوا الرسول لأن طاعته من طاعة الذي أرسله، فإذا فعلتم ذلك حققتم أنفسكم وأعمالكم كما مضى أول السورة، فتكون صحيحة ببنائها على الطاعة بتصحيح النيات وتصفيتها مع الإحسان للصورة في الظاهر ليكمل العمل صورة وروحا.
ولما كانت الطاعة قد تحمل على إقامة الصورة الظاهرة، قال منبها على الإخلاص لتكمل حسا ومعنى:
ولا تبطلوا أعمالكم أي: بمعصيتهما؛ فإن الأعمال الصالحة إذا نوى لها ما لا يرضيهما بطلب وإن كانت في الذروة من حسن الصورة، فكانت صورة بلا معنى، فهي مما يكون هباء منثورا مثل ما فعل أولئك المظهرون للإيمان المبطنون للمشاققة بالنفاق والرياء والعجب والملء والأذى ونحو ذلك من المعاصي، ولكن السياق بسياقه ولحاقه يدل على أن الكفر هو المراد الأعظم بذلك، والآية [من الاحتباك]: ذكر الطاعة أولا دليلا على المعصية ثانيا، والإبطال ثانيا دليلا على الصحة أولا، وسره أنه أمر بمبدأ
[ ص: 261 ] السعادة ونهى عن نهاية الفساد ثانيا؛ لأنه أعظم في النهي عن الفساد لما فيه من تقبيح صورته وهتك سريرته.