ولما كان ما مضى من وصفهم على وجه يشمل غيرهم من جميع الكفار، عينهم مبينا لسبب كفهم عنهم مع استحقاقهم في ذلك الوقت للبوار والنكال والدمار فقال:
هم أي: أهل
مكة ومن لافهم
الذين كفروا أي: أوغلوا في هذا الوصف بجميع بواطنهم وتمام ظواهرهم
وصدوكم زيادة على كفرهم في عمرة
الحديبية هذه
عن المسجد الحرام أي:
مكة، ونفس
المسجد الحرام، والكعبة، للإخلال بما أنتم فيه من شعائر الإحرام [بالعمرة]
والهدي أي: وصدوا ما أهديتموه إلى
مكة المشرفة لتذبحوه بها وتفرقوه على الفقراء، ومنه أربعون، وفي رواية: سبعون بدنة، كان أهداها النبي صلى الله عليه وسلم.
معكوفا أي: حال كونه مجموعا محبوسا مع رعيكم له وإصلاحه لما أهدي لأجله
أن يبلغ محله أي: الموضع الذي هو أولى المواضع لنحره، وهو الذي إذا أطلق انصرف الذهن إليه، وهو في العمرة
المروة، ويجوز الذبح في الحج والعمرة في أي موضع كان من الحرم، فالموضع الذي نحر فيه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه
[ ص: 327 ] المرة عند الإحصار ليس محله المطلق.
ولما كان التقدير: فلولا ما أشار إليه من ربط المسببات بأسبابها لسلطكم عليهم فغلبتموهم على المسجد وأتممتم عمرتكم على ما أردتم، ثم عطف عليه أمرا أخص منه فقال:
ولولا رجال أي: مقيمون بين أظهر الكفار بمكة
مؤمنون [أي عريقون في الإيمان فكانوا لذلك أهلا للوصف بالرجولية
ونساء مؤمنات أي:] كذلك حبس الكل عن الهجرة العذر؛ لأن الكفار لكثرتهم استضعفوهم فمنعوهم الهجرة، على أن ذلك شامل لمن جبله الله على الخير وعلم منه الإيمان وإن كان في ذلك الوقت مشركا
لم تعلموهم أي: لم يحط علمكم بهم من جميع الوجوه لتميزوهم بأعيانهم عن المشركين لأنهم ليس لهم قوة التمييز زمنهم بأنفسهم وأنتم لا تعرفون أماكنهم لتعاملوهم بما هم له أهل ولا سيما في حال الحرب والطعن والضرب، ثم أبدل من "الرجال والنساء" قوله:
أن تطئوهم أي: تؤذوهم بالقتل أو ما يقاربه من الجراح والضرب والنهب ونحوه من الوطء الذي هو الإيقاع بالحرب، منه قوله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=706896«آخر وطأة وطئها الله بوج». يكون ذلك الأذى منكم لهم على [ظن] أنهم مشركون أذى الدائس لمدوس
[ ص: 328 ] وتضغطوهم وتأخذوهم أخذا شديدا بقهر وغلبة تصيرون به لا تردون يد لامس ولا تقدرون على مدافعة
فتصيبكم أي: فيتسبب عن هذا الوطء أن يصيبكم
منهم أي: من جهتهم وبسببهم
معرة أي: مكروه وأذى هو كالحرب في انتشاره وأذاه، وإثم وخيانة بقتال دون إذن خاص، وبعدم الإمعان في البحث، وغرم وكفارة ودية وتأسف وتعيير ممن لا علم له، ثم علق بالوطء المسبب عنه إصابة المعرة إتماما للمعنى قوله:
بغير علم أي: بأنهم من المؤمنين.
ولما دل السياق على أن جواب "لولا" محذوف تقديره: لسلطكم عليهم وما كف أيديكم عنهم، ولكنه علم ذلك، وعلم أنه سيؤمن ناس من المشركين فمن عليكم بأن رفع حرج إصابتهم بغير علم عنكم، وسبب لكم أسباب الفتح الذي كان يتوقع بسبب تسليطكم عليهم بأمر سهل، وكف أيديكم ولم يسلطكم عليه
ليدخل الله أي:
الذي له جميع صفات الكمال في رحمته أي: إكرامه وإنعامه
من يشاء من المشركين بأن يعطفهم إلى الإسلام، ومن المؤمنين بأن يستنقذهم منهم على أرفق وجه، ولما كان ذلك، أنتج قوله تعالى:
لو تزيلوا أي: تفرقوا فزال أحد الفريقين عن الآخر زوالا عظيما بحيث لا يختلط صنف
[ ص: 329 ] بغيره فيؤمن وطء المؤمنين له بغير علم
لعذبنا أي: بأيديكم بتسليطنا أبو بمجرد أيدنا من غير واسطة
الذين كفروا أي: أوقعوا ستر الإيمان.
ولما كان هذا عاما لجميع من اتصف بالكفر من أهل الأرض، صرح بما دل عليه السياق فقال:
منهم أي: الفريقين وهم الصادون
عذابا أليما أي: شديد الإيجاع بأيديكم أو من عندنا لنوصلكم إلى قصدكم من الاعتمار والظهر على الكفار، ففيه اعتذار وتدريب على تأدب بعضهم مع بعض، وفي الإشارة إلى بيان سر من أسرار منع الله تعالى لهم من التسليط عليهم حث للعبد على أن لا يتهم الله في قضائه فربما عسر عليه أمرا يظهر له أن السعادة كانت فيه وفي باطنه سم قاتل، فيكون منع الله له منه رحمة في الباطن وإن كان نقمة في الظاهر، فألزم التسليم مع الاجتهاد في الخير والحرص عليه والندم على فواته وإياك والاعتراض، وفي الآية أيضا
[أن] الله تعالى قد يدفع عن الكافر لأجل المؤمن.