ولما وصل الأمر إلى حد لا خفاء معه، فصح أنهم يعلمون ذلك ولم يحملهم على التصريح بالتكذيب به إلا المبادرة إلى ذلك بغلبة الهوى من غير تأمل لعاقبته، فصار من باب لزوم الغلط، وكان السياق لإنكار البعث الذي جاء به منذر من القوم المنذرين، كان كأنه قيل: إن إنكار هؤلاء أعجب؛ فهل وقع هذا لأحد قط، فقال تعالى مسليا لهذا النبي الكريم؛ لأن المصيبة إذا عمت هانت، مبينا لمجد القرآن ولمجد آياته تحقيقا للإنذار وتحذيرا به لا للنصيحة:
كذبت وسم الفعل بالتاء إشارة إلى هوانهم في جنب هذا المجد، ولما كان هؤلاء الأحزاب المذكورون لقوتهم وكثرتهم كأنهم أهل المجد قاطبة قد استغرقوا زمانها ومكانها، أسقط الجار فقال:
قبلهم
ولما لم تكن لهم شهرة يعرفون بها قال:
قوم نوح وأشار
[ ص: 415 ] إلى عظيم التسلية بأنهم جاءهم منذر منهم، وكانوا في القوة في القيام فيما يحاولونه والكثرة بحيث لا يسع الأفهام جميع أوصافهم، فآذوا رسولهم وطال أذاهم قريبا من عشرة قرون، ولما كان آخر أمرهم أنه التقى عليهم الماءان: ماء السماء، وطلع إليهم ماء الأرض فأغرقهم، أتبعهم من طائفتهم قصتهم بأن نزل بهم الماء فأوبقهم لما بين حاليهم من الطباق دلالة على عظيم القدرة والفعل بالاختيار فقال:
وأصحاب الرس أي: البئر التي تقوضت بهم فخسفت مع ما حولها فذهبت بهم وبكل ما لهم كما ذكرت قصتهم في الفرقان.
ولما كانت آية [قوم]
صالح من أعظم الدلالات على القدرة على البعث، وكان إهلاكهم مناسبا لإهلاك من قبلهم، أما لأصحاب
الرس فكان بالرجفة التي هي [على] مبدأ الخسف، وأما لقوم
نوح فلأن الرجفة تأثرت عن الصيحة التي حملتها الريح التي من شأنها حمل السحاب الحامل للماء، أتبعهم بهم، وكانوا أصحاب بئر ولم يخسف بهم فقال:
وثمود