ولما جزاهم - سبحانه - على أمثال ذلك؛ بما وقع لهم من فوزهم بالسلامة؛ والغنيمة؛ بفضل من حاز أوصاف الكمال؛ وتنزه عن كل نقص؛ بما له من رداء الكبرياء والجلال؛ ورغبهم فيما لديه؛ لتوليهم إياه؛ أتبع ذلك بما يزيدهم بصيرة من أن المخوف لهم من كيده ضعيف؛ وأمره هين؛ خفيف؛ واه؛ سخيف؛ وهو الشيطان؛ وساق ذلك مساق التعليل لما قبله من حيازتهم للفضل؛ وبعدهم عن السوء؛ بأن وليهم الله؛ وعدوهم
[ ص: 132 ] الشيطان؛ فقال - التفاتا إليهم بزيادة في تنشيطهم؛ أو تشجيعهم؛ وتثبيتهم -:
إنما ذلكم ؛ أي: القائل الذي تقدم أنه الناس؛
الشيطان ؛ أي: الطريد البعيد المحترق.
ولما نسب القول إليه؛ لأنه الذي زينه لهم؛ حتى أشربته القلوب؛ وامتلأت به الصدور؛ كان كأنه قيل: فماذا عساه يصنع؟ فقال:
يخوف ؛ أي: يخوفكم؛
أولياءه ؛ لكنه أسقط المفعول الأول؛ إشارة إلى أن تخويفه يؤول إلى خوف أوليائه؛ لأن أولياء الرحمن إذا ثبتوا لأجله أنجز لهم ما وعدهم من النصرة على أولياء الشيطان؛ وإلى أن من خاف من تخويفه؛ وعمل بموجب خوفه؛ ففيه ولاية له؛ تصحح إضافته إليه؛ قلت أو كثرت.
ولما كان المعنى أنه يشوش بالخوف من أوليائه؛ تسبب عنه النهي عن خوفهم؛ فقال:
فلا تخافوهم ؛ أي: لأن وليهم الشيطان؛
وخافون ؛ أي: فلا تعصوا أمري؛ ولا تتخلفوا أبدا عن رسولي؛
إن كنتم مؤمنين ؛ أي: مباعدين لأولياء الشيطان؛ بوصف الإيمان.