ولما ذكر خلق الخافقين، أتبعه خلق ما هو جامع لجميع ما هو فيها فقال:
ولقد أي: [و] الحال أنا قد
خلقنا بما لنا من العظمة
الإنسان وهو أعجب خلقا وأجمع من جميع ما مضى ذكره بما فيه من الأنس والطغيان، والذكر والنسيان، والجهل والعرفان، والطاعة والعصيان، وغير ذلك من عجيب الشأن، ووكلنا به من جنودنا من يحفظه فيضبط حركاته وسكناته وجميع أحواله
ونعلم أي: والحال أننا نعلم بما لنا من الإحاطة
ما توسوس أي: تكلم على وجه الخفاء،
به الآن وفيما بعد ذلك مما لم ينقدح بعد من خزائن الغيب إلى [سر] النفس كما علمنا ما تكلم
نفسه وهي الخواطر التي تعترض له حتى أنه هو ربما عجز عن ضبطها، فنحن نعلم أن قلوبهم عالمة بقدرتنا على أكمل ما نريد وبصحة القرآن وإعجازه وصدق الرسول به صلى الله عليه وسلم وامتيازه، وإنما حملهم الحسد والنفاسة والكبر
[ ص: 420 ] والرئاسة على الإنكار باللسان حتى صار ذلك لهم خلقا وتمادوا فيه حتى غطى على عقولهم، فصاروا في لبس محيط [بهم] من جميع الجوانب.
ولما كان العالم بالشيء كلما كان قريبا منه كان علمه به أثبت وأمكن، قال ممثلا لعلمه ومصورا له بما نعلم أنه موجبه:
ونحن بما لنا من العظمة
أقرب إليه قرب علم وشهود من غير مسافة
من حبل الوريد لأن أبعاضه وأجزاءه تحجب بعضها بعضا، ولا يحجب علم الله شيء، والمراد به الجنس، والوريدان عرقان كالحبلين مكتنفان لصفحتي العنق في مقدمها متصلات من الرأس إلى الوتين وهو عرق القلب، وهذا مثل في فرط القرب، وإضافته مثل مسجد الجامع، وقد مضى في تفسير سورة المائدة عند قوله:
والله يعصمك من الناس ما ينفع هنا، قال
القشيري: وفي هذه الآية هيبة وفزع وخوف لقوم، وروح وأنس وسكون قلب لقوم.