ولما ذكر سبحانه أول السورة تكذيبهم بالقدرة على اعترافهم بما يكذبهم في ذلك التكذيب، ثم سلى وهدد بتكذيب الأمم السابقة، وذكر قدرته عليهم، وأتبعه الدلالة على كمال قدرته إلى أن ختم بالإشارة إلى أن قدرته لا نهاية لها، ولا تحصر بحد ولا تحصى بعد، ردا على أهل العناد وبدعة الاتحاد في قولهم: "ليس في الإمكان أبدع مما كان" عطف على [ما] قدرته بعد
فحق وعيد من إهلاك تلك الأمم مما هو أعم منه بشموله جميع الزمان الماضي وأدل على شمول القدرة، فقال:
وكم أهلكنا أي: بما لنا من العظمة. ولما كان المراد تعميم الإهلاك في جميع الأزمان لجميع الأمم، نزع الجار بيانا لإحاطة القدرة فقال:
قبلهم وزاد في دلالة التعميم فأثبته في قوله:
من قرن أي: جيل هم في غاية القوة، وزاد في بيان القوة فقال:
[ ص: 435 ] هم أي: أولئك القرون بظواهرهم وبواطنهم
أشد منهم أي: من
قريش بطشا أي: قوة وأخذا لما يريدونه بالعنف والسطوة والشدة، وحذف الجار هنا يدل على أن كل من كان قبل
قريش كانوا أقوى منهم، وإثباته في "ص" يدل على أن المذكورين بالإهلاك هناك مع الاتصاف بالنداء المذكور بعض المهلكين لا كلهم. ولما أخبر سبحانه بأشديتهم سبب عنه قوله:
فنقبوا أي: أوقعوا النقب
في البلاد بأن فتحوا فيها الأبواب الحسية والمعنوية وخرقوا في أرجائها ما لم يقدر غيرهم عليه وبالغوا في السير في النقاب، وهي طرق الجبال والطرق الضيقة فضلا عن الواسعة وما في السهول، بعقولهم الواسعة وآرائهم النافذة وطبائعهم القوية، وبحثوا مع ذلك عن الأخبار، وأخبروا غيرهم بما لم يصل إليهم، وكان كل منهم نقابا في ذلك؛ أي علامة فيه فصارت له به مناقب أو مفاخر.
ولما كان التقدير: ولم يسلموا مع كثرة تنقيبهم وشدته من إهلاكنا بغوائل الزمان ونوازل الحدثان، توجه سؤال كل سامع على ما في ذلك من العجائب والشدة والهول والمخاوف سؤال تنبيه للذاهل الغافل، وتقريع وتبكيت للمعاند الجاهل، بقوله:
هل من محيص أي: معدل ومحيد ومهرب وإن دق، من قضائنا ليكون لهؤلاء وجه ما في رد أمرنا.