ولما كان العمل شاملا لتصرفات الجوارح كلها؛ من القلب؛ واللسان؛ وسائر الأركان؛ قال - دالا على خبره بسماع ما قالوه؛ متجاوزين وهدة البخل؛ إلى حضيض القبح؛ مريدين التشكيك لأهل الإسلام بما يوردونه من الشبه؛ قياسا على ما يعرفونه من أنفسهم؛ من أنه - كما تقدم - لا يطلب إلا محتاج -:
لقد سمع الله ؛ أي: الذي له جميع الكمال؛
قول الذين قالوا ؛ أي: من اليهود؛
إن الله ؛ أي: الملك الأعظم؛
فقير [ ص: 140 ] ؛ أي: لطلبه القرض؛
ونحن أغنياء لكونه يطلب منا؛ وهذا رجوع منه - سبحانه وتعالى - إلى إتمام ما نبه عليه قبل هذه القصة؛ من بغض أهل الكتاب لأهل هذا الدين؛ وحسدهم لهم؛ وإرادة تشكيكهم فيه؛ للرجوع عنه؛ على أسنى المناهج؛ وأعلى الأساليب.
ولما تشوفت النفوس إلى جزائهم على هذه العظيمة؛ وكانت الملوك إذا علمت انتقاص أحدها وهي قادرة؛ عاجلته؛ لما عندها من نقص الأذى بالغيظ؛ قال - سبحانه وتعالى - مهددا لهم؛ مشيرا إلى أنه على غير ذلك -:
سنكتب ؛ أي: على عظمتنا؛ لإقامة الحجة عليهم؛ على ما يتعارفونه في الدنيا؛
ما قالوا ؛ أي: من هذا الكفر؛ وأمثاله؛ والسين للتأكيد؛ ويجوز أن تكون على بابها من المهلة؛ للحث على التوبة قبل ختم رتب الشهادة؛ وسيأتي في "الزخرف" له مزيد بيان.
ولما كان هذا اجتراء على الخالق؛ أتبعه اجتراءهم على أشرف الخلائق؛ فقال - مشيرا؛ بإضافة المصدر إلى ضميرهم؛ وبجمع التكسير الدال على الكثير؛ إلى أنهم أشد الناس تمردا؛ وتمرنا على ارتكاب العظائم؛ وأن الاجتراء على أعظم أنواع الكفر قد صار لهم خلقا -:
وقتلهم الأنبياء [ ص: 141 ] ؛ أي: الذين أقمناهم فيهم؛ لتجديد ما أوهوه من بنيان دينهم؛ ولما لم يكن في قتلهم شبهة أصلا؛ قال:
بغير حق ؛ فهو أعظم ذما مما قبله من التعبير بالفعل المضارع؛ في قوله
ويقتلون الأنبياء بغير حق ؛ ثم عطف على قوله:
سنكتب ؛ قوله:
ونقول ؛ أي: بما لنا من الجلال؛
ذوقوا ؛ أي: بما نمسكم به من المصائب في الدنيا؛ والعقاب في الأخرى؛ كما كنتم تذوقون الأطعمة التي كنتم تبخلون بها؛ فلا تؤدون حقوقها؛
عذاب الحريق ؛ جزاء على ما أحرقتم به قلوب عبادنا؛