ولما كان القربان من جنس النفقات؛ ومما يتبين به سماح النفوس وشحها؛ حسن نظم آية القربان هنا؛ بقوله - رادا شبهة لهم أخرى؛ ومبينا قتلهم الأنبياء -:
الذين قالوا ؛ تقاعدا عما يجب عليهم من المسارعة بالإيمان؛
إن الله ؛ أي: الذي لا أمر لأحد معه؛
عهد إلينا ؛ وقد كذبوا في ذلك؛
ألا نؤمن لرسول ؛ أي: كائن من كان؛
[ ص: 142 ] حتى يأتينا بقربان ؛ أي: عظيم؛ نقربه لله (تعالى) ؛ فيكون متصفا بأنه
تأكله النار ؛ عند تقريبه له؛ وفي ذلك أعظم بيان لأنهم ما أرادوا - بقولهم:
إن الله فقير ؛ حيث طلب الصدقة - إلا التشكيك؛ حيث كان التقرب إلى الله بالمال من دينهم الذي يتقربون إلى الله به؛ بل وادعوا أنه لا يصح دين بغيره.
ولما افتروا هذا التشكيك أمر - سبحانه - بنقضه؛ بقوله:
قل قد جاءكم رسل ؛ فضلا عن رسول؛ ولما كانت مدتهم لم تستغرق الزمان الماضي أثبت الجار؛ فقال:
من قبلي كزكريا؛ وابنه
يحيى؛ وعيسى - عليهم السلام -
بالبينات ؛ أي: من المعجزات؛
وبالذي قلتم ؛ أي: من القربان؛ فإن الغنائم لم تحل - كما في الصحيح - لأحد كان قبلنا؛ فلم تحل
لعيسى - عليه السلام - فلم تكن مما نسخه من أحكام التوراة؛ وقد كانت تجمع؛ فتنزل نار من السماء فتأكلها؛ إلا إن وقع فيها غلول؛
فلم قتلتموهم ؛ أي:
[ ص: 143 ] قتلهم أسلافكم؛ ورضيتم أنتم بذلك؛ فشاركتموهم فيه؛
إن كنتم صادقين ؛ أي: في أنكم تؤمنون لمن أتاكم على الوجه الذي ذكرتموه؛ وفي ذلك رد على الفريقين؛ اليهود المدعين أنهم قتلوه؛ الزاعمين أنه عهد إليهم في الإيمان بمن أتاهم بذلك؛ والنصارى المسلمين لما ادعى اليهود من قتله؛ المستلزم لكونه ليس بإله.