ولما كان كل شيء مما سواه لا بد له من ضد يضاده أو قرين يسد مسده، وأما سبحانه فلا مثل له لأنه لو كان له مثل لنازعه، فلم يقدر على كل ما يريد
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وثبت أنه أهلك القرون الأولى بمخالفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فثبت أن وراء المكلفين عذابا يحق لهم الفرار منه، وثبت أن كل شيء غيره محتاج إلى زوجه يثبت حاجة الكل إليه، وأنه لا كفاية عند شيء في كل ما يرام منه، وجب أن لا يفزع إلا إلى الواحد الغني فسبب عن ذلك قوله:
ففروا أي: أقبلوا والجئوا. ولما درب عباده في هذه السورة بصفة الربوبية كثيرا، فتأهلوا إلى النفوذ في الغيب، وكانت العبادة لا تكون خالصة إلا إن علقت بالذات لا لشيء آخر، ذكر اسم الذات فقال:
إلى الله أي: إلى الذي لا مسمى له من مكافئ، وله الكمال كله، فهو في غاية العلو، فلا يقر ويسكن أحد إلى محتاج مثله؛ فإن المحتاج لا غنى عنده، ولا يقر سبحانه.
إلا من تجرد عن حضيض عوائقه الجسمية إلى أوج صفاته الروحانية، وذلك من وعيده إلى وعده اللذين دل عليهما بالزوجين، فتنقل السياق بالتحذير والاستعطاف والاستدعاء، فهو من باب:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655836«لا ملجأ منك إلا إليك أعوذ بك منك». واستمر إلى آخر
[ ص: 477 ] السورة في ذكره إشارة إلى علي أمره، ثم علل بقوله مؤكدا لما لهم من الإنكار:
إني لكم منه أي: لا من غيره
نذير أي: من أن يفر أحد إلى غيره فإنه لا يحصل له قصده.
لما أقام الدليل العقلي الظاهر جدا بما يعلمه أحد في نفسه على ما قاله في هذا الكلام الوحيد قال:
مبين ففرار العامة من الجهل إلى العلم عقدا وسعيا، ومن الكسل إلى التشمير حذرا وحزما، ومن الضيق إلى السعة ثقة ورجاء، وفرار الخاصة من الخير إلى الشهود، ومن الرسوم إلى الأصول، ومن الحظوظ إلى التجريد، وفرار خاصة الخاصة مما دون الحق إلى الحق إشهادا في شهود جلاله واستغراقا في وحدانيته، قال
القشيري: ومن صح فراره إلى الله صح فراره مع الله. انتهى. وهو بكمال المتابعة ليس غيره، ومن فهم منه اتحادا بصفة أو ذات فقد ما حد طريق القوم فعليه لعنة الله.