ولما كان التقدير تسكينا لقلب من يريد إجابتهم إلى الآيات المقترحات طمعا في إيمانهم: فلقد تلونا عليهم في هذه السورة وغيرها من الآيات، وخلونا من المعجزات البينات، وأتينا من تناقضهم في هذه التقسيمات، بما يهد الجبال الشامخات، وبينا من فضائحهم بحسن سوقها وحلاوة ذوقها، وصحة معانيها وإحكام مبانيها، ما يزلزل الراسيات، ويحل العزمات، ويفرج الأزمات، ويصد ذوي المروات عن أمثال هذه النقائص الفاضحات، لما لها من الأدلة الواضحات، ولكنهم لما ألزمناهم به من العكس لا يؤمنون، وكدناهم بما أعمينا من بصائرهم فهم لا يعلمون أنهم المكيدون، عطف عليه قوله:
وإن يروا أي معاينة
كسفا قطعة، وقيل: قطعا واحدتها كسفة مثل سدرة وسدر
من السماء نهارا جهارا
ساقطا يقولوا لددا وتجلدا في البغي إصرارا، وتعلقهم بما أمكنهم من الشبه تخييلا على العقول وإيقافا لذوي الآراء والفهوم دأب الأصيل في نصر الباطل ومكابرة الحق لما لهم من العراقة في عمى القلوب بما لنا من القدرة على صرفهم عن وجوه الأمر: هذا
سحاب فإن قيل
[ ص: 35 ] لهم: هو مخالف للسحاب بصلابته، قالوا:
مركوم أي تراكم بعضه على بعض فتصلب، ولذلك سبب عن هذا الحال الدال على أنهم وصلوا في عمى البصائر إلى أنه لو جاءتهم كل آية لا يؤمنون، قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم ومن تبعه: