ولما فطم عن التشوف إلى إجابتهم في المقترحات على ما قدرته، تسبب منهم عن الانشقاق بقوله:
وكذبوا أي: بكون الانشقاق دالا على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وجزموا بالتكذيب عنادا
[ ص: 97 ] أو خبثا منهم. ولما كان التكذيب في نفسه قد يكون حقا، قال مبينا أنه باطل، فبين عن حالهم بقوله:
واتبعوا أي: بمعالجة فطرهم الأولى المستقيمة في دعائها إلى التصديق
أهواءهم أي: حتى نابذوا ما دلتهم عليه بعد الفطرة الأولى عقولهم، قال
القشيري: إذا حصل اتباع الهوى فمن شؤمه يحصل التكذيب، لأن الله سبحانه وتعالى يلبس على قلب صاحبه حتى لا يستبصر الرشد، واتباع الرضى مقرون بالتصديق لأن الله تعالى ببركات الاتباع للحق يفتح عين البصيرة فيأتي بالتصديق - والله الهادي. ولما كان ذلك مفظعا لقلوب المحقين، سلاهم بالوصول إلى محط تظهر فيه الحقائق وتضمحل فيه الشقاشق، فقال عاطفا على ما تقديره: فسيستقر أمر كل من أمر المحق والمبطل في قراره، ويطلع على دقائقه وأسراره:
وكل أمر من أموركم وغيرها
مستقر أي: ثابت وموجود، انتهاؤه إلى غاية تظهر فيها حقيقته من غير حيلة تصاحبه إلى رد ذلك القرار ولا خفاء على أحد، فلابد أن ينتهي الحق من كل شيء من الآجال والهدايات والضلالات والسعادات والشقاوات وغيرها إلى نهايته فيثبت ثبوتا لا زوال له، وينتهي الباطل مما دعاه الخلق فيه إلى غايته فيتلاشى تلاشيا لا ثبات له بوجه من الوجوه، فإذا استقرت الأمور ظهر ما لهم عليه وعلموا الخاسر من الفائز، وفي مثل هذا قال
ابن عمرو التيمي أخو
القعقاع في وقعة السي من بلاد
العراق: والموت خيلنا لما التقينا ... بقارن والأمور لها انتهاء
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11962أبو جعفر بالجر صفة لـ "أمر"، فيكون معطوفا على الساعة أي: واقترب
[ ص: 98 ] كل أمر مستقر أي: ثابت وهو الحق أي اقترب الظهور وثباته، وذلك لا يكون إلا وقد كان خفاء الباطل وفواته.