ولما بان من هذا تعظيمه لصلة الرحم؛ بجعلها في سياق ذكره - سبحانه وتعالى - المعبر عنه باسمه الأعظم - كما فعل نحو ذلك في غير آية؛ وكان
[ ص: 177 ] قد تقدم في السورة الماضية ذكر قصة
"أحد"؛ التي انكشفت عن أيتام؛ ثم ذكر في قوله (تعالى):
كل نفس ذائقة الموت ؛ أن الموت مشرع؛ لا بد لكل نفس من وروده; علم أنه لا بد من وجود الأيتام في كل وقت؛ فدعا إلى العفة؛ والعدل فيهم؛ لأنهم بعد الأرحام أولى من يتقى الله فيه؛ ويخشى مراقبته بسببه؛ فقال:
وآتوا اليتامى ؛ أي: الضعفاء؛ الذين انفردوا عن آبائهم؛ وأصل "اليتم": الانفراد؛
أموالهم ؛ أي: هيئوها بحسن التصرف فيها؛ لأن تؤتوهم إياها بعد البلوغ - كما يأتي؛ أو يكون الإيتاء حقيقة؛ واليتم باعتبار ما كان؛ أو باعتبار الاسم اللغوي؛ وهو مطلق الانفراد؛ وما أبدع إيلاءها للآية الآمرة بعد عموم تقوى الله بخصوصها؛ في صلة الرحم؛ المختتمة بصفة الرقيب! لما لا يخفى من أنه لا حامل على العدل في الأيتام إلا المراقبة؛ لأنه لا ناصر لهم؛ وقد يكونون ذوي رحم.
ولما أمر بالعفة في أموالهم؛ أتبعه تقبيح الشره الحامل للغافل على لزوم المأمور به؛ فقال:
ولا تتبدلوا ؛ أي: تكلفوا أنفسكم أن تأخذوا على وجه البدلية؛
الخبيث ؛ أي: من الخباثة التي لا أخبث منها؛
[ ص: 178 ] لأنها تذهب بالمقصود من الإنسان؛ فتهدم جميع أمره؛
بالطيب ؛ أي: الذي هو كل أمر يحمل على معالي الأخلاق الصائنة للعرض؛ المعلية لقدر الإنسان; ثم بعد هذا النهي العام نوه بالنهي عن نوع منه خاص؛ فقال - معبرا بالأكل؛ الذي كانت
العرب تذم بالإكثار منه؛ ولو أنه حلال طيب؛ فكيف إذا كان حراما؛ ومن مال ضعيف؛ مع الغنى عنه -:
ولا تأكلوا أموالهم ؛ أي: تنتفعوا بها؛ أي انتفاع كان؛ مجموعة
إلى أموالكم ؛ شرها؛ وحرصا؛ وحبا في الزيادة من الدنيا التي علمتم شؤمها؛ وما أثرت من الخذلان؛ في "آل عمران"؛ وعبر بـ "إلى"؛ إشارة إلى تضمين الأكل معنى الضم؛ تنبيها على أنها متى ضمت إلى مال الولي أكل منها؛ فوقع في النهي؛ فحض بذلك على تركها محفوظة على حيالها; ثم علل ذلك بقوله:
إنه ؛ أي: الأكل؛
كان حوبا ؛ أي: إثما؛ وهلاكا؛
كبيرا