ولما كان قد تقدم في إشارة الخطاب الامتنان بخلق الإنسان، ثم ذكر أصول النعم عليه على وجه بديع الشأن، إلى أن ذكر غذاء روحه: الريحان، أتبع ذلك تفصيلا لما أجمل فقال:
خلق الإنسان أي أصل هذا النوع الذي هو من جملة الأنام الذي خلقنا الريحان لهم والغالب عليه الأنس بنفسه وبما ألفه.
ولما كان أغلب عناصره التراب وإن كان من العناصر الأربعة، عبر عن إشارة به إلى مطابقة اسمه - بما فيه مما يقتضي الأنس الذي حاصله الثبات على حالة واحدة - لمسماه الذي أغلبه التراب لنقله وثباته ما لم يحركه محرك، وعبر عن ذلك بما هو في غاية البعد عن قابلية البيان فقال:
من صلصال أي: طين يابس له صوت إذا نقر عليه
كالفخار أي :كالخزف المصنوع المشوي بالنار لأنه أخذه من التراب ثم خلطه بالماء حتى صار طينا ثم تركه حتى صار حمأ مسنونا مبينا، ثم صوره كما يصور الإبريق وغيره من الأواني ثم أيبسه حتى صار في غاية الصلابة فصار كالخزف الذي إذا نقر عليه صوت صوتا يعلم [منه] هل
[ ص: 156 ] فيه عيب أم لا، كما أن الآدمي بكلامه يعرف حاله وغاية أمره ومآله، فالمذكور هنا غاية تخليقه وهو أنسب بالرحمانية، وفي غيرها تارة مبدؤه وتارة إنشاؤه، فالأرض أمه والماء أبوه ممزوجين بالهواء الحامل للجزء الذي هو من فيح جهنم، فمن التراب جسده ونفسه، ومن الماء روحه وعقله، ومن النار غوايته وحدته، ومن الهواء حركته وتقلبه في محامده ومذامه.