ولما بين سبحانه وتعالى أن الصدقة كالبذر الذي هو من أحسن الأرباح وأبهجها، بين الحامل عليها ترغيبا فيها، فقال عاطفا بالواو، إشارة إلى التمكن في جميع هذه الصفات:
والذين آمنوا أي أوجدوا هذه الحقيقة العظيمة في أنفسهم
بالله أي الملك الأعلى الذي له الجلال والإكرام
ورسله أي كلهم لما لهم من النسبة إليه، فمن
[ ص: 285 ] كذب بشيء على أحد منهم أوعمل عمل المكذب له لم يكن مؤمنا به
أولئك أي الذين لهم الرتب العالية والمقامات السامية
هم أي خاصة لا غيرهم
الصديقون أي الذين هم في غاية الصدق والتصديق لما يحق له أن يصدقه من سمعه، وقال القشيري: الصديق من استوى ظاهره وباطنه، ويقال: هو الذي يحمل الأمر على الأشق ولا ينزل إلى الرخص، ولا يحتاج للتأويلات، ولما كان الصديق لا يكون عريقا في الصديقية إلا بالتأهيل لرتبة الشهادة قال تعالى:
والشهداء معبرا بما مفرده شهيد عاطفا بالواو إشارة إلى قوة التمكن في كل من الوصفين، [قال
القشيري]: هم الذين يشهدون بقلوبهم بواطن الوصل ويعتكفون بأسرارهم في أوطان القربة، وزاد الأمر عظما بقوله:
عند ربهم أي الذي أحسن إليهم بالقربة [بمثل تلك الرتبة] العالية من الشهادة لله بكل ما أرسل به رسله والأنبياء الماضين على أممهم والحضور في جميع الملاذ بالشهادة في سبيل الله، قال مجاهد: كل مؤمن صديق وشهيد - وتلا هذه الآية
لهم أي جميع من مضى من الموصوفين [بالخير]
أجرهم أي الذي جعله ربهم [لهم]
ونورهم [أي] الذي زادهموه من فضله برحمته، أولئك أصحاب النعيم المقيم.
ولما ذكر أهل السعادة جامعا لأصنافهم، أتبعهم أهل الشقاوة لذلك قال:
والذين كفروا أي ستروا ما دلت عليه أنوار عقولهم ومرائي
[ ص: 286 ] فكرهم
وكذبوا بآياتنا على ما لها من العظمة بنسبتها إلينا سواء كانوا في ذلك مساترين أو مجاهرين أو عمل العالم بها عمل المكذب
أولئك أي المبعدون من الخير [خاصة]
أصحاب الجحيم أي النار التي هي غاية في توقدها، خالدون فيها من بين العصاة، وأما غيرهم فدخولهم [لها] إذا دخلوها ليس على [وجه] الصحبة الدالة على الملازمة، وأولئك هم الكاذبون الذين لا تقبل لهم شهادة عند ربهم، لهم عقابهم و[عليهم] ظلامهم، والآية من الاحتباك: ذكر الصديقية وما معها أولا دليلا على أضدادها ثانيا، والجحيم ثانيا دليلا على النعيم أولا، وسره أن الأول أعظم في الكرامة، والثاني أعظم في الإهانة.