ولما كانت
الدنيا مانعة عن العكوف إلى الآخرة بلذاتها وآلائها، وكانت كما أنها منزل رخاء هي دار [بلاء]، وكان قد اقتصر سبحانه في الآية السالفة على الأول لأن السياق للإنفاق والترغيب في معالي الأخلاق وجعل المسابقة إلى السعادة نتيجة الزهد فيها، تحركت النفس إلى السؤال عما يعوق عن الخير من الضرب بسياط البلاء فقال مسليا عنه لأن النفوس أشد تأثرا بالمكاره وأسرع انفعالا بالمقارع ومحققا ومغريا بالإعلام بأنه لم يكن فيها خير ولا شر إلا بقضاء حتم في الأزل وقدر أحكم ووجب حين لم يكن [غيره] شيء عز وجل، وذكر فعل المؤنث الجائز التذكير لكون التأنيث غير حقيقي إشارة إلى عظم وقع الشر:
ما أصاب وأكد النفي فقال:
من مصيبة وهي في الأصل لكل آت من خير أو شر إلا أن العرف خصها بالشر، وعم الساكن
[ ص: 295 ] والمتحرك بقوله:
في الأرض أي من منابتها ومياهها ونحو ذلك
ولا في أنفسكم [أي ]بموت ومرض وعين وعرض
إلا هي كائنة
في كتاب أي مكتوب لأنه مقدر مفروغ من القدم، وبين أن الكتابة حدثت بعد أن كان هو سبحانه ولا شيء معه بإدخال الجار فقال:
من قبل أن نبرأها أي نخلق ونوجد ونقدر المصيبة والأرض والأنفس، وهذا دليل على أن اكتساب العباد يجعله سبحانه وتقديره.
ولما كان ذلك متعذرا على المخلوق فهو أشد شيء تكرها له وقوفا مع الوهم قال مؤكدا:
إن ذلك أي الأمر الجليل وهو علمه بالشيء وكتبه له على تفاصيله قبل كونه، ثم سوقه النفوس والأسباب إلى إخراجه بعد التكوين على مقدار ما سبق علمه به وكتبه له
على الله أي على ما له من الإحاطة بالكمال
يسير لأن علمه محيط بكل شيء وقدرته شاملة لا يعجزها شيء.