ولما نهى عن النجوى وذم على فعلها وتوعد عليه فكان ذلك
[ ص: 371 ] موضع أن يظن أن
النهي عام لكل نجوى وإن كانت بالخير، استأنف قوله مناديا بالأداة التي لا يكون ما بعدها له وقع عظيم، معبرا بأول أسنان الإيمان باقتضاء الحال له:
يا أيها الذين آمنوا أي ادعوا أنهم أوجدوا هذه الحقيقة
إذا تناجيتم أي قلع كل منكم الكلام من نفسه فرفعه وكشفه لصاحبه سرا
فلا تتناجوا أي توجدوا هذه الحقيقة ظاهرة كتناجي المنافقين
بالإثم أي الذنب وكل فعل يكتب بسببه عقوبة.
ولما عم خص فقال:
والعدوان أي الذي هو العدو الشديد بما يؤذي وإن كان العادي يظن أنه لا يكتب عليه به إثم. ولما كان السياق لإجلال النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لا تعرف حقيقة الإثم إلا منه قال تعالى:
ومعصيت الرسول أي الكامل في الرسلية فإن ذلك يشوش فكره فلا يدعه يبلغ رسالات ربه وهو منشرح الصدر طيب النفس.
ولما علم أن نهيهم إنما هو عن شر يفسد ذات البين هو ما لا يريدون إطلاع النبي صلى الله [عليه] وسلم، صرح بقوله حثا على إصلاح ذات البين لأن خير الأمور ما عاد [بإصلاحها، وشر الأمور ما عاد] بإفسادها:
وتناجوا بالبر أي بالخير الواسع الذي فيه [حسن]
[ ص: 372 ] التربية. ولما كان ذلك قد يعمل طبعا، حث على القصد الصالح بقوله:
والتقوى وهي ما يكون في نفسه ظاهرا أنه يكون سترة تقي من عذاب الله بأن يكون مرضيا لله ولرسوله.
ولما كانت
التقوى أم المحاسن، أكدها ونبه عليها بقوله:
واتقوا الله أي اقصدوا قصدا يتبعه العمل أن تجعلوا بينكم وبين سخط الملك الأعظم وقاية. ولما كانت ذكرى الآخرة هي مجمع المخاوف ولا سيما فضائح الأسرار على رؤوس الأشهاد قال:
الذي إليه أي خاصة
تحشرون أي تجمعون بأيسر أمر وأسهله بقهر وكره، وهو يوم القيامة، فيتجلى فيه سبحانه للحكم بين الخلق والإنصاف بينهم بالعدل ومحاسبتهم على النقير والقطمير لا يخفى عليه خافية ولا تقي منه واقية، تنكشف فيه سرادقات العظمة، ويظهر [ظهورا] تاما نفوذ الكلمة، ويتجلى في مجالي العز سطوات القهر، وتنبث لوامع الكبر، فإذا فعلتم ذلك مستحضرين لذلك لم تقدموا على شيء تريدون إخفاءه من النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون ذلك أقر لعينه وأطهر لكم.