ولما كان هذا الانهماك فيما لا يغني مما يحصل لسامعه غاية العجب من وقوع عاقل فيه مرة من الدهر، فضلا عن ملازمته، أخبر عن الحامل لهم عليه، فقال مستأنفا:
استحوذ أي طلب أن يغلب ويسوق ويسرع ويضرب الحوطة ويحث ويقهر ويستولي
عليهم الشيطان مع [أنه] طريد ومحترق، ووجد منه جميع ذلك، ووصل منهم إلى ما يريده، وملكهم ملكا لم يبق لهم معه اختيار فصاروا
[ ص: 393 ] رعيته وأقطاعه، وصار هو محيطا بهم من كل جهة، غالبا عليهم ظاهرا وباطنا، من قولهم: حذت الإبل أي استوليت عليها، وحاذ الحمار العانة - إذا جمعها وساقها غالبا لها، والحوذ: السوق السريع، ومنه الأحوذي: الخفيف في المشي لحذقه، وجاء على الأصل على حكم الصحيح لأنه لم يبن على حاذ كافتقر فإنه لا مجرد له، لم يقولوا: فقر:
فأنساهم أي فتسبب عن استحواذه عليهم أنه أنساهم
ذكر الله أي الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى بعد أن كان ذكره مركوزا في فطرهم الأولى، فصاروا لا يذكرونه أصلا بقلب ولا لسان.
ولما كان ذلك، أنتج ولا بد قوله:
أولئك أي الذين أحلوا أنفسهم أبعد منزل
حزب الشيطان أي أتباعه وجنده وجماعته وطائفته وأصحابه والمحدقون به والمتحيزون إليه لدفع [ما] حزبه أي نابه واشتد عليه، المبعدون المحترقون لأنهم تبعوه ولم يخافوا [في] مجازيته وإنفاذ ما يريد لومة لائم مع أنه كله نقائص ومعايب، وهم مطبوعون على بغضه، وتركوا من [له] الكمال كله، وذكره وحبه مركوز في فطرهم، فلذلك كانت ترجمة هذا ونتيجته قوله:
[ ص: 394 ] ألا وأكد لظنهم الربح بما لهم في الدنيا من الكثرة وظهور التعاضد والاستدراج بالبسط والسعة فقال:
إن حزب الشيطان أي الطريد المحترق
هم أي خاصة
الخاسرون أي العريقون في هذا الوصف لأنهم لم يظفروا بغير الطرد والاحتراق.