ولما تقرر بما مضى إحاطة قدرته بما دل على ذلك من إبداعه للخلق على هذا الوجه المحكم وشهد البرهان القاطع بأن ذلك صنعه وحده، لا فعل فيه لطبيعة ولا غيرها، دل على أن ذلك بسبب شمول علمه إشارة إلى أن من لم يكن تام العلم فهو ناقص القدرة فقال:
يعلم أي علمه حاصل في الماضي، والحال والمآل يتعلق بالمعلومات على حسب تعليق قدرته على وفق إرادته بوجدانها
ما أي الذي أو كل شيء
في السماوات كلها.
ولما كان الكلام بعد قيام الدليل القطعي البديهي على جميع أصول الدين مع الخلص لأن بداهة الأدلة قادتهم إلى الاعتقاد أو إلى حال صاروا فيه أهلا للاعتقاد، والتحلي بحلية أهل السداد، ولم يؤكد بإعادة الموصول بل قال:
والأرض ولما ذكر حال الظرف على وجه يشمل المظروف، وكان الاطلاع على أحوال العقلاء أصعب، قال مؤكدا بإعادة العامل:
ويعلم أي على سبيل الاستمرار
ما تسرون [ ص: 110 ] أي حال الانفراد وحال الخصوصية مع بعض الإفراد. ولما كانت لدقتها وانتشارها بحيث ينكر بعض الضعفاء الإحاطة بها، وكان الإعلان ربما خفي لكثرة لغط واختلاط أصوات ونحو ذلك أكد فقال:
وما تعلنون من الكليات والجزيئات خلافا لمن يقول: يعلم الكليات [فقط] و[لا يعلم] الجزئيات إلا بعد وجودها، من فلسفي وغيره، ولمن يقول: [يعلم الكليات] خاصة. ولما ذكر حال المظروف على وجه يشمل ظروفه وهي الصدور، وكان أمرها أعجب من أمر غيرها، قال مصرحا بها إشارة إلى دقة أمرها مظهرا موضع [الإضمار] تعظيما:
والله أي الذي له الإحاطة التامة لكل كمال
عليم أي بالغ العلم
بذات أي صاحبة
الصدور من الأسرار والخواطر التي لم تبرز إلى الخارج سواء كان صاحب الصدر قد علمها أو لا، وعلمه لكل ذلك على حد سواء لا تفاوت فيه بين علم الخفي وعلم الجلي، لأن نسبة المقتضي لعلمه وهو وجود ذاته على ما هي عليه من صفات الكمال إلى الكل على حد سواء، فراقبوه في الإخلاص وغيره مراقبة من يعلم أنه بعينه لا يغيب عنه واحذروا أن يخالف السر العلانية، فإن حقه أن يتقي ويحذر، وتكرير العلم في معنى
[ ص: 111 ] تكرير الوعيد وتقديم تقرير القدرة على تقريره لأن دلالة المخلوقات على قدرته أولا وبالذات، وكمال قدرته يستلزم كمال علمه لأن من لا يكمل علمه لا تتم قدرته، فلا يأتي مصنوعه محكما.