ولما أمر ورهب من ضده على وجه أعم، رغب فيه تأكيدا لأمره لما فيه نم الصعوبة لا سيما في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فإن المال فيه كان في غاية العزة ولا سيما إن كان في لوازم النساء اللاتي افتتح الأمر بأن منهن أعداء ولا سيما إن كان في حال ظهور العداوة، فقال بيانا للإفلاح متلطفا في الاستدعاء بالتعبير بالقرض مشيرا إلى أنه على خلاف الطبع بأداة الشك:
إن تقرضوا الله أي الملك الأعلى ذا الغنى المطلق المستجمع لجميع صفات الكمال بصرف المال وجميع قواكم التي جعلها فتنة لكم في طاعاته، ورغب في الإحسان فيه بالإخلاص وغيره فقال:
قرضا حسنا أي على صفة الإخلاص والمبادرة ووضعه في أحسن مواضعه على أيسر الوجوه وأجملها وأهنأها وأعدلها، وأعظم الترغيب فيه بأن رتب عليه الربح في الدنيا والغفران في الآخرة فقال:
يضاعفه لكم أي لأجلكم خاصة أقل ما يكون للواحد عشرا
[ ص: 136 ] إلى ما لا يتناهى على حسب النيات، قال
القشيري: يتوجه الخطاب بهذا على الأغنياء في بذل أموالهم وعلى الفقراء في إخلاء أيامهم وأوقاتهم عن مراداتهم وإيثار مراد الحق على مراد أنفسهم، فالغني يقال له: آثر على مرادك في مالك [ وغيره-] ، والفقير يقال له: آثر حكمي في نفسك وقلبك ووقتك.
ولما كان الإنسان لما له النقصان وإن اجتهد لا يبلغ جميع ما أمر به لأن الدين وإن كان يسيرا فهو متين "لن يشاده أحد إلا غلبه" قال:
ويغفر لكم أي يوقع الغفران وهو محو ما فرط عينه وأثره لأجلكم ببركة الإنفاق، وقد تضمنت هاتان الجملتان جلب السرور ودفع الشرور، وذلك هو السعادة كلها.
ولما كان التقدير: فالله غفور رحيم، عطف عليه قوله:
والله أي الذي لا يقاس عظمته [ بشيء -]
شكور أي بليغ الشكر لمن يعطي لأجله ولو كان قليلا فيثيبه ثوابا جزيلا خارجا عن الحصر وهو ناظر إلى المضاعفة
حليم لا يعاجل بالعقوبة على ذنب من الذنوب وإن عظم بل يمهل كثيرا طويلا ليتذكر العبد الإحسان مع العصيان فيتوب، ولا يهمل ولا يغتر بحلمه، فإن غضب الحليم لا يطاق،
[ ص: 137 ] وهو راجع إلى الغفران.