ولما قدم أعظم الرحمة بالحياطة والنصرة الموجبة للبقاء، أتبعه ما يتم به البقاء فقال:
أمن وأشار إلى القرب بالعلم والبعد بالعلو والعظمة بقوله:
هذا وأشار إلى معرفة كل أحد له بصفاته العلية التي
[ ص: 256 ] تنشأ عنها أفعاله المحكمة السنية، فقال:
الذي [ وأسقط العائد لتحمل الفعل له فقال:
يرزقكم - ] أي على سبيل التجدد والاستمرار، لا ينقطع معروفه أبدا مع أنه قد وسع كل شيء ولا غفلة له عن شيء
إن أمسك رزقه بإمساك الأسباب التي تنشأ عنها ويكون وصوله إليكم منها كالمطر، ولو كان الرزق موجودا أو كثيرا وسهل التناول فوضع الأكلة في فمه فأمسك الله عنه قوة الازدراء عجز أهل السموات والأرض عن أن يسوغوه تلك اللقمة.
ولما قامت بهذا دلائل قدرته وشمول علمه على سبيل العموم فالخصوص، فكان ذلك مظنة أن يرجع الجاحد ويخجل المعاند، ويعلم الجاهل ويتنبه الغافل، فكان موضع أن يقال: هل رجعوا عن تكذيبهم، عطف عليه قوله لافتا الكلام إلى الغيبة إعراضا عنهم تنبيها على سقوط منزلتهم وسوء أفهامهم وقوة غفلتهم:
بل لجوا أي تمادوا سفاهة لا احتياطا وشجاعة، قال الرازي في اللوامع: واللجاج تقحم الأمر مع كثرة الصوارف عنه
في عتو أي مظروفين لعناد وتكبر عن الحق وخروج إلى فاحش الفساد
ونفور أي
[ ص: 257 ] شراد عن حسن النظر والاستماع، دعا إليه الطباع، واستولى ذلك عليهم حتى أحاط بهم مع أنه لا قوة لأحد منهم في جلب سار ولا دفع ضار، والداعي إلى ذلك الشهوة والغضب.